محمد علوش - خاص الأفضل نيوز
بعد ساعات قليلة على أحداث الساحل السوري الدموية والخطيرة، والتصعيد الدولي بوجه الإدارة السورية الجديدة التي كادت تخسر كل ما حصّلته من دعم دولي خلال الفترة الماضية، تمكن الأميركيون من تسطير المفاجأة من خلال الإعلان عن توقيع اتفاق بين الإدارة الجديدة وقسد، فكيف يمكن قراءة الرابحين من هذا الاتفاق؟
لا شكّ أن الولايات المتحدة الأميركية ستكون أول الرابحين لأنها تستمر بتسليف الإدارة السورية الجديدة الهدايا التي لن تكون مجانية على الإطلاق، وستصب أثمانها بجيب إسرائيل والمشروع الأميركي الإسرائيلي، كذلك تستمر بحماية الأكراد، وتمنع تركيا من تحقيق هدفها بالقضاء على وجودهم وتجريدهم سلاحهم، خصوصاً أن الاتفاق شهد تنازلات تركية كبيرة، علماً أن التفاوض الذي أوصل إلى اتفاق كان بين أميركا من جهة وتركيا من جهة أخرى.
كذلك كون التفاوض تم مع الأتراك فإن تركيا كانت رابحة من هذا الاتفاق، فهل وضعت خلال مرحلة التفاوض خطاً أحمر لا يمكن لها أن تنخفض تحته، وهو إقامة دولة كردية مستقلة، لذلك كان التأكيد خلال الاتفاق على أن منطقة الأكراد جزء من الدولة السورية وجزء من قرارها السياسي، مع دمج المسلحين بالمؤسسات الأمنية والعسكرية.
بعد أحداث الساحل الدموية كادت الأمور تخرج عن سيطرة الشرع، وتتجه سوريا إلى اقتتال طائفي ومذهبي لن ينتهي سوى بتقسيم سوريا وتفتيتها، ما يعني خسارة المشروع التركي في سوريا، فتركيا لا تناسبها الحرب الأهلية ولا يناسبها التقسيم بما يجعل منطقة الأكراد أمراً واقعاً، لذلك كان من الجيد أن تأتي هذه الخطوة لتُظهر الشرع في صورة مختلفة عن تلك التي أظهرتها جرائم الساحل السوري.
هذا يقودنا إلى اعتبار أحمد الشرع رابحاً أيضًا من حيث المبدأ، خصوصاً بحال لم يكن لديه مشكلة بالثمن الذي سيدفعه لأميركا قريباً، فالشرع الذي يتعرض إلى ضغوط دولية ضخمة بعد أحداث الساحل، ولم تنفعه مسألة اللجنة التي شكلها للتحقيق، ومطالب اليوم بتدعيمها بعناصر دولية، كان يحتاج إلى إنجاز من هذا النوع، يجعله يستعيد صورة الرئيس الذي يرغب بنبذ الاقتتال والحفاظ على وحدة سوريا ومنع تقسيمها.
لا يمكن للأكراد حالياً أن يحصلوا على أفضل من الاتفاق المبدئي الذي حصلوا عليه ولو أنهم يشعرون بصعوبة تطبيقه والحفاظ عليه، ولكن في المرحلة الحالية وبعد كل التغييرات التي تطرأ بشكل سريع جداً على المنطقة، وبعد أحداث الساحل التي أظهرت أن الجماعات المسلحة تنتظر أي فرصة للانتقام الطائفي والمذهبي، وبعد أن شاهدوا أن عنوان "فلول النظام" قد يشكل تغطية لكل المجازر التي تُرتكب، وبعد أن قدمت أميركا لهم فرصة اتفاق مع تركيا يضمن لهم غالبية ما كانوا يطالبون به وافقوا على الاتفاق ولو بحذر، فخيار الاستقلال وبناء دولة خاصة مستقلة حالياً سيحمل الحرب إليهم، فكان الخيار الحالي هو خيار مربح على المدى القصير، وبحال طُبق سيكون مربحاً على المدى الطويل.
يبقى أن إسرائيل، التي تبدو خاسرة بحال كان الاتفاق تمهيداً لضرب مشروع تفتيت سوريا، ستكون رابحة عندما تُطالب أميركا بتحصيل الأثمان.