د. علي دربج - خاصّ الأفضل نيوز
كالعادة، يعتمد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على عنصري المفاجأة والضبابية في مواقفه تجاه أي قضية. لذلك، يعمل على إعطاء إشارات متباينة، وفي ذات الوقت متشدّدة بشكل كبير فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية تجاه إيران.
صحيح أن ترامب كان قد أبدى انفتاحًا أكبر على المفاوضات مع طهران، مقارنة بما فعله خلال ولايته الأولى، عندما مزق الاتفاق النووي السابق ، لكنه بالمقابل رفع من سقف مطالبه إلى حده الأقصى، حتى إنه حددّ مهلة شهرين فقط لإيران لإبرام اتفاق جديد مع الولايات المتحدة. هذا فضلًا عن تهديده الصريح والعلني لإيران، وتحميلها مسؤولية أي هجمات ينفذها حلفاؤها اليمنيون، لا سيما "جماعة أنصار الله"، على القوات الأمريكية.
صقور الحزب الجمهوري والتهديد باستخدام نموذج "ثعلب الصحراء" ضد إيران
في الواقع، لسنوات، دعا العديد من صقور الحزب الجمهوري، بمن فيهم السيناتور توم كوتون (جمهوري عن ولاية أركنساس) وتيد كروز (جمهوري عن ولاية تكساس)، إلى استخدام القوة ضد إيران. كما حاول هؤلاء المتشددون استباق التحذيرات من أن التدخل العسكري قد ينذر بإشعال حرب أخرى لا نهاية لها في منطقة الشرق الأوسط.
من هنا، زعم كوتون في عام 2015 أن المعارضين لمهاجمة إيران "يريدون أن يوهموكم بأن 150 ألف جندي ميكانيكي أمريكي سينتشرون على الأرض في الشرق الأوسط مرة أخرى كما رأينا في العراق، وهذا ببساطة ليس صحيحًا". وطمأن قائلًا: "سيكون الأمر أشبه بما فعله الرئيس كلينتون في ديسمبر/كانون الأول 1998 خلال "عملية ثعلب الصحراء"، عندما أقدم على القيام بحملة قصف جوي وبحري استمرت عدة أيام لمنشآت أسلحة الدمار الشامل العراقية".
وبالمثل، توصل ترامب نفسه إلى استنتاج مماثل عام 2019، إذ أكد أنه إذا استخدمت الولايات المتحدة القوة ضد إيران، فلن ترسل قوات برية، بل ستخوض الصراع بالكامل بالقوة الجوية الأمريكية الهائلة. والمثير أن ترامب لم يبد أي شك في النتيجة، مؤكدًا أن مثل هذه الحرب "لن تدوم طويلًا"، وأنها ستعني "إبادة" إيران. وعلى المنوال ذاته، أعرب السيناتور كوتون عن ثقته بتحقيق نصر سريع وسهل، مؤكدًا أن الحرب ستنتهي بضربتين جويتين فقط.
لكن، مهلًا! فهذه العنتريات تعيد بنا الذاكرة إلى تصريح كينيث أدلمان، المساعد السابق لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد، والشخصية البارزة في مجتمع السياسة الخارجية الأمريكية، قبل حرب العراق. حينها، تنبأ أدلمان بشكل شهير بأن حربًا للإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين ستكون "سهلة المنال". غير أن هذه التوقعات لم تكن دقيقة، إذ قُتل أكثر من 4000 عسكري أمريكي في ذلك الصراع.
وماذا عن موقف الاستخبارات الأمريكية؟
في الحقيقة، من بين مستشاري ترامب الحاليين، كانت رؤية تولسي غابارد، مديرة الاستخبارات الوطنية، للحرب الأمريكية على إيران، الأكثر منطقية. فلسنوات، حذرت غابارد من الاستخفاف بالعواقب المحتملة لمثل هذه الخطوة. بل إنها ردت ذات مرة على تنبؤ أدلمان بشأن العراق، منبهة من أن مثل هذه الحرب "ستجعل الحرب في العراق تبدو سهلة للغاية". وأضافت أن "الدمار والتكلفة سيكونان أكبر بكثير من أي شيء شهدناه من قبل".
النصر السريع على إيران والشواهد التاريخية
على مر التاريخ، وقع العديد من القادة السياسيين في فخ الثقة الزائدة بتحقيق نصر سريع على أعدائهم. ففي يوليو/تموز 1861، سافر أنصار إدارة أبراهام لينكولن من واشنطن العاصمة لمتابعة المعركة المقبلة في ماناساس في شمال فيرجينيا (خلال الحرب الأهلية الأمريكية، وكانت بين جيش الاتحاد "الشمال"بقيادة الجنرال إرفين مكدويل وجيش الكونفدرالية "الجنوب" بقيادة الجنرال جوزيف إي. جونستون والجنرال بيير غوستاف توتان بورغارد) والصدمة الكبرى في هذا الإطار، أن بعض القادة الأمريكيين من الطرفين أخذوا آنذاك معهم سلال النزهات، كما لو أن المناسبة لم تكن أكثر من رحلة ترفيهية! لكن بعد نحو أربع سنوات، تخللها دمار هائل ومعارك دموية أودت بحياة أكثر من 600,000 جندي، أصبح من الواضح بشكل مروع أن التفاؤل الأولي بشأن نهاية سريعة للحرب كان خطأ مأساويًا.
وإذا اتجهنا إلى القارة العجوز، نجد أن القادة السياسيين والعسكريين الأوروبيين كانوا قد ارتكبوا على هامش الحرب التي كانت تلوح في الأفق في بداية عام 1914، خطأ دمويًا أكثر فظاعة. فعلى أثر اندلاع الحرب العالمية الأولى في يوليو/تموز من ذلك العام، كانت هناك ثقة واسعة النطاق بين المسؤولين الأوروبيين وكذلك الصحافة، بأن الحرب ستنتهي بحلول عيد الميلاد. غير أنها احتاجت إلى أكثر من أربع سنوات حتى يتوقف القتال أخيرًا، فيما كانت النتيجة كارثية، إذ قُتل أكثر من تسعة ملايين جندي.
صحيح أنه كثيرًا ما تتحقق التنبؤات بشأن النصر السريع في بداية الحرب، كما حدث مع الولايات المتحدة في حربها ضد إسبانيا عام 1898 وحرب الخليج الأولى عام 1991، لكن في الغالب، تتحول إلى طاحونة بشرية. وما تدخلات أمريكا العسكرية في فيتنام والعراق وأفغانستان إلا خير شاهد على ذلك.
في المحصّلة:
يستطيع ترامب شن هجوم ضد إيران وتدميرها، غير أن ذلك سيكون خطوة متهورة قد تشعل حربًا كبرى أخرى في الشرق الأوسط، خصوصًا وأن الأخيرة تمتلك قدرات عسكرية ليست هينة. فعلى الدوام، كان القادة العسكريون الأمريكيون يساورهم القلق من قدرة إيران على إغراق ناقلة نفط أو أي سفينة كبيرة أخرى في مضيق هرمز الضيق، الأمر الذي سيترك تداعيات سلبية على تدفق النفط والاقتصاد العالمي.
والأهم من ذلك، أن إيران تُعتبر لاعبًا رئيسيًا في تكنولوجيا الطائرات المسيرة العسكرية، حيث اشترت روسيا أكثر من ألف طائرة مسيرة إيرانية واستخدمتها بشكل فعال في حربها ضد أوكرانيا.