طارق ترشيشي - خاصّ الأفضل نيوز
شاع في الآونة الأخيرة على بعض مواقع التواصل الاجتماعي كلام لمسؤول إيراني نقلت عنه صحيفة "التلغراف" البريطانية، مفاده أن إيران أوقفت دعمها لحركة أنصار الله الحوثية وقررت الذهاب إلى مفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية للاتفاق على برنامجها النووي لتجنيب نفسها التعرض لضربة أميركية ـ إسرائيلية تدمر منشآتها النووية والاستراتيجية، ليتبين لاحقا أن لا صحة لهذا الكلام وأنه ليس هناك أي مسؤول إيراني أدلى به.
وقد نفت مصادر دبلوماسية مطلعة على الموقف الإيراني لموقع "الأفضل نيوز" أن يكون أي مسؤول إيراني أدلى بموقف من هذا النوع ، معتبرة أن الهدف من تسريبه هو الإيقاع بين إيران وحلفائها في المنطقة في لحظة اشتداد الضغوط الاميركية ـ الغربية والإسرائيلية عليها وعليهم.
وتقول هذه المصادر إن الجانب الأميركي لجأ إلى هذا التسريب بهدف إخراج نفسه من الخطاب العالي النبرة الذي اعتمده في الأسابيع الأخيرة ضد إيران وذلك بعد موافقته على الطرح الإيراني الذي حمله رد طهران على رسالة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخيرة إلى القيادة الإيرانية والتي يدعوها فيها إلى التفاوض حول الملف النووي وتجنب الصدام العسكري.
وتضيف المصادر نفسها أن ليس مطروحا لدى القيادة الإيرانية أي توجه لوقف دعمها لحلفائها في المنطقة في الوقت الذي يعدون وإياها العدة لاحتمال لجوء واشنطن وتل أبيب إلى خيار الحرب ضدهم، وضد إيران تحديدا.
وتشير المصادر إلى أنه كان بتجاذب إيران وجهتا نظر حول التعاطي مع رسالة ترامب، الأولى تقول بعدم الرد عليها لأن التجربة أثبتت أن لا جدوى من التفاوض مع الجانب الأميركي، والثانية تقول بوجوب الرد على الرسالة ورمي الكرة في الملعب الأميركي، وهذا ما حصل؛ إذ ردت إيران على الرسالة عبر القناة العمانية ومفاد الرد كان أنها حاضرة للتوصل إلى حل في شأن الملف النووي حصرا، وبمعزل عن أي قضايا خلافية أخرى، بحيث يتم البحث في حل تقني لهذا الملف على قاعدة أن إيران لا تريد امتلاك أي سلاح نووي ولكن إذا استمرت التهديدات الأميركية فإنها مستعدة لمواجهتها في حال لجأت واشنطن إلى خيار الحرب، إلا أن إيران راغبة في التوصل إلى اتفاقات وحلول تلبي مصالح جميع الأطراف ولا سيما منها مصالحها ومصالح الطرف الأميركي ـ الغربي.
وأدرجت المصادر الديبلوماسية في هذا السياق الموقف الذي أعلنه الدكتور علي لاريجاني -مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية- السيد علي خامنئي- والذي لوح فيه بإمكان لجوء إيران إلى عسكرة برنامجها النووي إن هي تعرضت لأي هجوم أميركي، وكان هذا الموقف ملفتٌ في أهميته وصدقيته حيث أنه يصدر عن مسؤول إيراني لصيق بالمرشد وليس عن أي مسؤول آخر في النظام الإيراني، كذلك كان لهذا الموقف أثره الكبير في دفع الأمور إلى الاتفاق على معاودة المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية غير المباشرة في سلطنة عمان، وفي التقديرات أن الجانب الأميركي مقتنع بأن الضربة التي يمكن أن توجه إلى المنشآت النووية الإيرانية مهما كانت كبيرة فإنها لن تستطيع تدميرها خصوصا وأنها محصنة جدا في عمق الأرض وأن استهدافها سيعطي إيران الذريعة رسميا وشعبيا لإنتاج القنبلة النووية، لأن لدى واشنطن والدول الغربية اقتناعًا بأن لدى إيران المخزون الكافي والإضافي من اليورانيوم لصنع هذه القنبلة في خلال أسابيع، ولكن حتى الآن لا يوجد قرار لدى القيادة الإيرانية في هذا الشأن. كما أن على واشنطن وحلفائها الغربيين أن يتوقعوا بعد الضربة إن حصلت أن تبادر إيران إلى تجربة صواريخ عابرة للقارات يمكن تحميلها رؤوسا نووية، فضلا عن الأضرار التي يمكن الرد الايراني أن يلحقه بالمصالح الأميركية في المنطقة ومنها على الأقل وقف تصدير النفط عبر مضيق هرمز وغيره ما قد يؤدي إلى ارتفاع سعر البرميل من 90 دولارا الآن إلى 500 دولار، وهذا أمر أساسي بالنسبة إلى الأميركيين الذين انتخبوا ترامب على أساس أنه سيخفف الأعباء الاقتصادية عنهم ، فإذا حصل ارتفاع في أسعار النفط وسواه سيؤدي ذلك إلى ارتفاع في كل الأسعار وإلى اضطرابات ومشكلات بدأت تواجهها الولايات المتحدة الآن فكيف الحال إذا شنت الحرب على إيران, لذلك، تضيف المصادر الدبلوماسية، أن كل ما تقوم به واشنطن من ضغوط وتهديد ووعيد إنما يندرج في إطار الضغط على إيران لجرها إلى المفاوضات نتيجة تمنعها عن الدخول في هذا الخيار تحت الضغط وبالشروط الأميركية. علما أن هناك مفاوضات غير مباشرة جرت وما تزال جارية ولكن الأميركي لم يستطع أن ينهي موضوع اليمن لأنه أساسي بالنسبة إليه قبل الانطلاق إلى ضرب إيران. فما يريده هو جر إيران إلى المفاوضات تحت وطأة رفع وتيرة التصعيد ضد حلفائها لكي يستسلموا، ولكن هذا لا يعني أن تبعات المفاوضات ستكون إيجابية أو سلبية على المنطقة خصوصا وأن الأميركي ما زال متجها إلى التصعيد ضد إيران من لبنان إلى اليمن وما بينهما، ولذلك كان الهدف من تسريب تخلي إيران عن حلفائها هو إحداث الخلاف في ما بينهم، لجرها إلى المفاوضات فاقدة لأي أوراق قوة تمتلكها، ولكن مثل هذه المسائل مرت بها إيران كثيرا منذ انتصار ثورتها عام 1979، وهي تدرك أن مصيرها مرتبط بمصير حلفائها الذين لا يمكنها أن تتخلى عنهم بأي شكل من الأشكال.