نبيه البرجي - خاصّ الأفضل نيوز
لسنا فقط أمام مفترقات كارثية . أمام مفترقات وجودية , وحيث التقاطع بين الجنون الأميركي والجنون الإسرائيلي , في ذروته . استراتيجياً , نحن عراة حتى من ورقة التوت . لا ندري ما مآل دولنا , وما مآلنا ككائنات بشرية قيّض لها أن تعيش , بكل إمكاناتها , تحت خط الزمن .
نحن كعرب , مبعثرون على رقعة الشطرنج، ولكن لننظر إلى جيراننا الإيرانيين والأتراك , بتلك الاستراتيجيات العبثية التي أثبتت الأحداث , أنها تصب في نهاية المطاف في الماكنة الأميركية .
الإيرانيون ينبشون عظام الأكاسرة , والأتراك ينبشون عظام السلاطين , ونحن نسينا أن ابن رشد أحدث زلزالاً في العقل الأوروبي , ما أسس لـ"عصر الأنوار" , كما نسينا عقبة بن نافع وقد رفع صوته , وسيفه إلى السماء حين بلغ الشاطئ الأطلسي وخاطب الله , كما لو أنه وصل بالإسلام إلى آخر الدنيا .
لا أمل في أن يتوحد العرب , وقد لاحظنا ما حال جامعة الدول العربية مقارنة مع المنظمات , والتكتلات الإقليمية الأخرى , وعلى امتداد الكرة الأرضية، تصوروا أن بنيامين نتنياهو , بالدولة المحدودة جغرافياً , وديموغرافياً , يعد ويتوعد , بتغيير الشرق الأوسط , ما عجز عنه الأباطرة , وحتى الآلهة .
إيران وتركيا داخل هذه الخريطة . يومياً يهدد الأولى بالضربة القاتلة , بعدما تم تزويد غواصات "دلفين" الألمانية الصنع بالرؤوس النووية , والثانية قال رئيسها رجب طيب اردوغان إن المشروع التوراتي الذي يعمل له الآن , يشمل أجزاء من الأناضول .
دولتان مركزيتان في المنطقة , وكان باستطاعتهما , لولا ذلك الصراع غير المعلن والذي لا يوصل إلى مكان , طرح تشكيل منظمة إقليمية , بديناميكية استراتيجية ضاربة , إن لحماية الشرق الأوسط , أو لتطويره وفقاً لمقتضيات القرن , لا أن يبقى رهين لعبة الفيلة . ها إن دونالد ترامب يتعامل مع الدول العربية كما كان يتعامل آباؤه مع قرى الهنود الحمر , ودون أي اعتبار للبنية التاريخية , والفلسفية , لتلك الدول التي وصفها برنارد لويس بالكثبان البشرية التي تذروها الأزمنة .
حتى إن المستشرق الأميركي (البلجيكي) جورج سارتون استغرب , قبل وفاته عام 1956 , كيف أن العرب يصرون على التعامل مع الزوايا المظلمة من التاريخ ، هو من أذهله "البهاء الأندلسي" , حتى أنه دعا إلى الخروج من التاريخ , "تلك العباءة الرثة" , بعدما تحول إلى "وباء إيديولوجي" , لنواجه بسؤال الديبلوماسي الأميركي المخضرم ريتشارد هاس "ماذا إذا فوجئنا برجب طيب أردوغان ومسعود بزشكيان في خندق واحد ؟" .
حذّر من تلك اللحظة "التي يجرنا إليها بنيامين نتنياهو" , ومعتبراً أن المملكة العربية السعودية التي ضاقت ذرعاً بالنهج الدموي المروع للدولة العبرية قد تكون , بثقلها المالي والسياسي والمعنوي , القطب الثالث في معادلة تقلب المشهد الشرق أوسطي رأساً على عقب .
لاحظنا كيف أن زعيم الليكود يتصرف كما لو أنه يرى في التغيير تحويل المنطقة إلى مقبرة , بعدما كان الجنرال رفاييل إيتان قد قال "إن العربي الجيد هو العربي الميت" .
ولكن أين نحن بعدما كان عبدالله العروي , المفكر والمؤرخ المغربي , قد تساءل , غداة حرب 1967 , عن تلك "اللعنة التي تلاحق الشرق الأوسط ليبقى , هكذا , على اجتراره السيزيفي , للماضي ؟" .
نعلم أن العلاقة بين الفرس والعثمانيين سلسلة من الحروب المتلاحقة، 11 حرباً بدأت بحرب "جالديران" , عام 1514 بين سليم الأول واسماعيل الأول , وانتهت بالحرب بين محمود الثاني وفتح علي شاه عام 1821 , لتتخلل هذه الحروب معاهدات أشهرها "معاهدة زهاب" , أو "معاهدة قصر شيرين" , عام 1639 التي ما زالت تعتبر مرجعاً في تعييين الحدود بين تركيا وإيران , وبين العراق وإيران , أي أن باستطاعة الأمبراطوريتين القديمتين , واللتين لا مجال البتة لعودتهما إلى الحياة , التأمل في الواقع المرير للمنطقة , والتفاهم على إطار للتعاون البعيد المدى علّه يتطور في اتجاه إقامة تحالف استراتيجي .
حتى الآن ، اختلاف مترام في الرؤية , وفي الهدف , وفي الطريق (والطريقة) ، دائماً قهقهات الكاوبوي تلعلع في أصقاع الشرق الأوسط، لا يد تعلو فوق اليد الأميركية والإسرائيلية، ولكن متى كان للتاريخ أن يمشي على خطى وحيد القرن , بعدما كنا قد استعدنا سؤال فيلسوف التاريخ البريطاني آرنولد توينبي ما إذا كان الشيطان يمتطي ظهر التاريخ أم أن التاريخ يمتطي ظهر الشيطان ؟
هل ثمة من حرب أشد هولاً من الحرب العالمية الثانية، جحافل أدولف هتلر احتلت باريس , ليقول أندريه مالرو , فيلسوف "الوضع الإنساني" , "لكأن أحذيتهم كانت تسحق أرواحنا"، بالرغم من ذلك دعا فرنسوا ميتران إلى مشاركة طائرات ألمانية إلى العرض العسكري في العيد الوطني الفرنسي . حتى أن اليابانيين تجاوزوا قنبلة هيروشيما , بتداعياتها الزلزالية , ليقول رئيس الوزراء الأسبق تتسو كاتاياما "لن ندفن موتانا في العراء أو في الضجيج"،بعده قال خلفه هيتوشي آشيدا " مهمتنا أن نبني دولة لا مقبرة" .
هل يبدو رهاننا ساذجاً على لقاء ثنائي , وفي هذه الظروف بالذات , بين رجب طيب أردوغان ومسعود بزشكيان ؟
على مدى سنوات , بل وعلى مدى عقود , ماذا حقق الإيرانيون والأتراك على المستوى الجيوسياسي , كما على المستوى الاستراتيجي ؟
الجواب في المشهد الشرق أوسطي الراهن، المنطقة تدار بعصا ملوك التوراة , وبعصا الحاخامات , بأدمغة العناكب .
منذ السبعينات والمفكر الأميركي اليهودي ناعوم تشومسكي يتحدث , وقبل إصابته بعجز في النطق , عن "الإيديولوجيا العفنة" .
لا قابيل وهابيل , كما لا داحس والغبراء , ولا الغساسنة والمناذرة , بل عرب ... عرب ... عرب !!