إلياس المرّ - خاصّ الأفضل نيوز
تعود جذور الصراع الاقتصادي والسياسي بين الولايات المتحدة التي تمثل اليمين الليبرالي العالمي، والصين وريثة زعامة اليسار بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، للاختلاف في الإديولوجيا السياسية والاقتصادية بين العقلين، ومن التناقض في الممارسة بين قناعة كل منهما والواقع العملي.
بينما تعتبر الليبرالية العالم قرية واحدة وتؤمن بحرية التجارة والمنافسة، تعتبر الاشتراكية أكثر انغلاقاً على الداخل وأكثر فقراً إذ تميل بدلا من التجارة العالمية إلى الصناعة المحلية القروية، والزراعة، إلاّ أن التناقض الحاصل، جعل من الصين الاشتراكية اقتصادًا منفتحًا عابرًا للقارات، وشكلت منافسة لأميركا الليبرالية التي لم تعد قادرة على التواصل الاقتصادي والتجاري مع العالم بسبب المنافسة الصينية، وأكثر من ذلك، وصل الغزو الاشتراكي الاقتصادي إلى داخل السوق الليبرالي فأصبحت البضائع الصينية تملأ الأسواق التجارية الأميركية، وأحدث ذلك خللاً في الميزان التجاري سنتحدث عنه.
جذور الصراع الصيني- الأميركي
الميزان التجاري
في سياق الحديث عن الاختلال في الميزان التجاري، لا بد من لمحة على الأرقام التي غالباً ما تكون خير مؤشر ودليل على عمق الأزمة، كانت الذروة عام ٢٠١٨، إذ بلغ ٤١٨ مليار دولار، لينهض إلى ٢٧٩ مليارًا عام ٢٠٢٣، ويعود ليرتفع ويسجل ٢٩٥،٤ مليار دولار عام ٢٠٢٤
الملكية الفكرية
أيضاً من الملفات الخلافية بين أميركا والصين موضوع الملكية الفكرية الذي يتم اختراقه من قبل الصين بالنسبة لأميركا، إما عبر النقل القسري للمعلومات كشرط من شروط الاستثمار تفرضها الصين على الشركات الأميركية، أو عبر القرصنة المباشرة واختراق أنظمة المعلوماتية والوصول إلى الأسرار بطرق غير شرعية، أجرت واشنطن تحقيقاً قضائياً في هذا الملف عام ٢٠١٧، بموجب المادة ٣٠١ من قانون التجارة، حيث قدرت خسائر أميركا جراء هذا الخلل ب ٦٠٠ مليار دولار سنوياً، وفقدان نحو ٢ مليون وظيفة من سوق العمل.
الدعم الحكومي الصيني للشركات، باعتماد الصين نظام الدولة الرأسمالية، تقوم بضخ مبالغ هائلة في دعم الشركات الوطنية الكبرى مثل "هواوي" و "سميك" عبر التخفيضات الضريبية، أو الإقراض الميسرّ وغيرها، وصل هذا النوع من الدعم إلى ٢،٨٢ مليار دولار عام ٢٠٢٤ استفاد منه أكبر ٢٥ شركة مصنعة في السوق، وأيضا الدعم من خلال صناديق الاستثمار حيث جمع صندوق دعم أشباه المواصلات لوحده ٤٧ مليار دولار عام ٢٠٢٤ ، كذلك الدعم الكبير لقطاع تصنيع السيارات الكهربائية حيث وصل إلى ٢٣١ مليار دولار بين عامي ٢٠٠٩ و٢٠٢٤ ، ترى أميركا أن هذا النوع من الدعم الحكومي يقوض جهود المنافسة بين الشركات، وعدم التكافؤ بالفرص.
سباق الهيمنة التكنولوجية
بعدما كان يُعتبر الغرب مركز الثقل التكنولوجي أصبحت الصين بفضل اهتمامها في هذا القطاع تحديدا، السبَّاقة في الوصول إلى أعلى مستوياته، حيث أطلقت في هذا العام ٢٠٢٥ خطة "صنع في الصين" التي تهدف إلى السيطرة على قطاعات مثل، الذكاء الإصطناعي، الرقائق الإلكترونية وال 5G، مما أثار قلق أمريكا من فقدان الريادة في هذا المجال.
التنافس الجيوسياسي والجيواقتصادي
لا تنفصل السياسة عن الاقتصاد في المشاريع الاستراتيجية حيث تشكل واحدة رافعة أو مقدمة للأخرى، وهذا ما أثار التوتر الأميركي الصيني بسبب تمدد الأخيرة من البوابة الإقتصادية لفرض النفوذ السياسي على مناطق بعيدة في العالم، تحت مظلة "طريق الحزام والحرير" من هنا، رأت أميركا أنه لا بد من المواجهة السياسية وحتى العسكرية لكبح الجماح الاقتصادي الصيني وضبط نفوذها، وذلك عبر ملف بحر الصين وقضية تايوان
قضايا العملة
تتهم أميركا الصين بتعمد خفض سعر اليوان لدعم صادراتها، ما تعتبره تلاعباً بالعملة unfair currency manipulation، ويؤدي إلى انعدام الشرعية في التنافس وانعدام التوازن في الأفضلية والتستر عن القيم الحقيقية لقوة العملة المحلية وخفضها اصطناعياً
هذه جولة على أبرز أسباب الصراع
الأميركي -الصيني الذي أدى إلى المواجهة المحتدمة عبر رفع الرسوم الجمركية والرد من قبل الأطراف بالمثل مما قد يؤدي فيما لو استمر إلى خلق أزمة في الاقتصاد العالمي وانهيار بعض الأسواق، وقد يذهب إلى أبعد من ذلك وصولا إلى المواجهة السياسية المحتدمة كمقدمة لمواجهة عسكرية محتملة، في ظل أقاليم غير مستقرة وتحالفات بدأت تتشكل استعدادا لهذا السيناريو
سبل المواجهة
أمام الإجراءات الأميركية التي وصلت إلى رفع جمركي بنسبة ١٢٥٪ على صادراتها أمام الصين ست احتمالات راهنة للردّ وهي:
-زيادة الرسوم الانتقامية على الصادرات الأميركية، وهي بالفعل بدأت بهذا الإجراء إذ رفعت من ٣٤٪ الى ٨٤٪ ومن الممكن أن ترفع أكثر مع استمرار المواجهة
-فرض القيود على الشركات الأميركية، إذ باشرت بالفعل بهذا الإجراء وفرضت الصين قيودا على شركات عملاقة مثل "شيلد ايه أي" و "سييرا نيفادا كورب" ووضعتها على قائمة الكيانات غير الموثوق بها.
-التحكم في تصدير المعادن النادرة
التي تملكها الصين وتعتبر مواد استراتيجية يعيق عدم الاستحواذ عليها الصناعات الأميركية، لا سيما قطاعات الدفاع والصناعات العسكرية والتكنولوجيا، وهي تشكل ورقة ضغط ومواجهة أساسية بيد الصين.
-خفض قيمة اليوان
أشرنا إليها سابقا وبإمكان الصين الذهاب لمزيد من التخفيضات حيث وصل الآن إلى أدنى مستوى له من ديسبر في مؤشر إلى اللجوء إلى هذه الورقة في سياق مواجهة الصين لحرب الرسوم الجمركية الأميركية التي فرضت عليها.
-التهديد ببيع سندات الخزانة الأميركية، تمتلك الصين نحو ٧٦٠ مليار دولار من السندات الأميركية، وقد يؤدي بيع جزء كبير منها إلى انخفاض أسعار السندات ورفع تكاليف الاقتراض الأميركية، مما يزعزع استقرار الأسواق العالمية، إلا أن هذه الخطوة تحمل مخاطر كبيرة على الصين نفسها، أبرزها، خفض قيمة المحفظة المتبقية، الاضرار بقيمة الدولار وتأثيره السلبي على الاحتياط الصيني نفسه، تراجع العائدات الثابتة من فوائد هذه السندات، صعوبة إيجاد بدائل لتوظيف فائض الأموال الصينية،
كل ما تقدم بالإضافة إلى تعزيز التحالفات الاقتصادية الإقليمية والدولية مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتعزيز التدفقات التجارية المفتوحة، أساليب وأوراق صينية للرد على الحرب الجمركية الأميركية إلا أن الأمر رهن المدّة الزمنية لاستمرار وطول هذه المواجهة في لعبة عض الأصابع، ومن سيصمد أكثر ومن سيتنازل قبل، والأهم بعد الجلوس على طاولة المفاوضات، ما هي الأوراق التي ستكون على الطاولة وشكل الاتفاق الجديد وتأثيره على الساحة الدولية.