طارق ترشيشي - خاصّ الأفضل نيوز
تدل كل المؤشرات إلى أن النصف الأول من السنة الجديدة بما سيشهده من أحداث وتطورات سيحدد مدى قدرة لبنان على إدارة المخاطر وسط تحركات أميركية ـ إسرائيلية ـ إقليمية لم ترسُ على بر بعد...
الشارع اللبناني والإقليمي ينتظر ما سيتنهي إليه اللقاء الخامس المقرر نهاية الشهر الجاري بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حيث سينعقد في قصر الرئيس الأميركي في مارالاغو في فلوريدا، ويعتبر محطة سياسية وعسكرية قد تؤثر على توازنات عدة في منطقة الشرق الأوسط، لأن المحادثات خلاله لن تقتصر على العلاقات بين واشنطن وتل ابيب فقط، بل قد يكون له تداعيات مباشرة على لبنان وجبهته الجنوبية، وسائر الساحات من سوريا إلى العراق واليمن وغزة والضفة الغربية وصولا إلى إيران.
والملاحظ أن هذا اللقاء يأتي في وقت تواجه إسرائيل تحديات أمنية متعددة: التدهور المستمر في غزة، الحراك الإيراني في الإقليم، وحزب الله في لبنان.
أما بالنسبة إلى ترامب، فيمثل اللقاء فرصة لإظهار قدرة الولايات المتحدة الأميركية على إدارة الملفات الحساسة وعرض الإنجازات السياسية المحققة، سواء في الداخل الأميركي او على المستوى الدولي.
لبنان، من جهته سيكون مترقبا لنتائج اللقاء، لأن أي تفاهم أميركي ـ إسرائيلي يمكن أن يستخدمه نتنياهو لزيادة الضغوط على السلطة اللبنانية، سواء في ملف الجنوب، أو في تفعيل عمل لجنة "الميكانيزم" بما يخدم الموقف الإسرائيلي، كما قد تُستخدم نتائج اللقاء لتسويق خطط تهدئة مرحلية في الجنوب اللبناني، من دون الدخول في معالجات جوهرية لقضية السيادة أو الحدود.
وفي سياق التوقعات المباشرة للمرحلة المقبلة لم تستبعد مصادر ديبوماسية أن ينتهي لقاء ترامب ـ نتنياهو إلى اتفاق على إبقاء الجبهة اللبنانية مخفضة التصعيد، بما يضمن أمن إسرائيل مع إبقاء لبنان تحت المراقبة الدولية، وتحريك محاور إقليمية تضمن احتواء النفوذ الإيراني وربط ذلك بمكاسب سياسية في إسرائيل وأمام الرأي العام الأميركي، وربط التهدئة على الجبهة اللبنانية بملفات سياسية واقتصادية منها تسريع مبادرات دعم اقتصادي للبنان مقابل ضمان استقرار الجنوب من دون الدخول في حلول نهائية.
وتعدد مصادر ديبلوماسية لموقع "الأفضل نيوز" مجموعة من السينايوهات المحتملة في هذا المضمار وأبرزها:
ـ أولا، تكريس تهدئة مدروسة مع لبنان، أي الاستمرار في حال اللاحرب واللاسلم في الجنوب بالتوازي مع استمرار الضغوط الاقتصادية والسياسية على الحكومة لكي تنزع سلاح حزب الله. وهذا السيناريو قد يكون الأكثر رجحانا بين بقية السيناريوهات.
ـ ثانيا، تحقيق تفاهم إقليمي يشمل غزة والجنوب اللبناني وربما الحدود السورية، يكون مشفوعا بحزمة مساعدات محدودة للبنان مقابل التزامه بترتيبات أمنية محددة ومنها نزع سلاح حزب الله تقبل بها إسرائيل ولو على مضض.
ـ ثالثا، تصعيد عسكري محدود على الحدود اللبنانية تحت ذريعة استهداف حزب الله الذي يعاود بناء قدراته العسكرية التي تهدد إسرائيل، أو في غزة نتيجة فشل التفاهمات أو تطورات مفاجئة، ضمن حدود محسوبة لتجنب اللجوء إلى شن حرب شاملة.
وفي ضوء كل ما تقدم فإن المصادر الديبلوماسية تتوقع أن يبقى لبنان خلال النصف الأول من السنة الجديدة تحت رحمة ضبط التصعيد على الحدود الجنوبية من دون حصول مواجهة شاملة، لكن مع بقاء التوتر عند المستوى القابل للانفجار في أي وقت.
غير أن الاستقرار النسبي الهش السائد في لبنان يبقى مهددا بالانهيار بعوامل ضغط متراكمة تتمثل في غياب وفاق سياسي داخلي، واستمرار الشلل في مؤسسات الدولة، وتفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية على مختلف المستويات.
على أن استمرار الحرب في غزة، ولو بنسبة أقل مما كانت عليه قبل مبادرة ترامب الشهيرة، واحتمال تمددها إلى الضفة الغربية التي رفعت إسرائيل منسوب الاستيطان فيها هذه الأيام قد ينعكس مباشرة على الجنوب اللبناني. ما قد يرفع من حجم الضغوط الدولية بهدف تثبيت التهدئة وربطها بترتيبات أمنية طويلة الأمد. ولكن التحدي الأساسي أمام لبنان هو كيف سيتعامل مع هذه الضغوط وعدم الدخول في تسويات تُفرض عليه من الخارج وخلال المفاوضات تحت عنوان الاستقرار، فيما تكون كلفتها على الأرض مرتفعة جدا.
ولذلك فإن الأشهر المقبلة ستكون مرحلة اختبار حقيقية للبنان في مدى قدرته على إدارة المخاطر لا على تحقيق مكاسب، فالنجاح يكمن في قدرته على توظيف التهدئة المؤقتة لكسب هامش سياسي وديبلوماسي أوسع، ومنع أي واقع خارجي من تكريس السيطرة الإسرائيلية على حدوده الجنوبية على حساب السيادة اللبنانية.

alafdal-news
