طارق ترشيشي - خاصّ الأفضل نيوز
خلافا لكل ما يقال ويشاع في هذه المرحلة فإن التفاؤل الداخلي والإقليمي والدولي إزاء مستقبل لبنان والمنطقة ولبنان ليس في محله أو على الأقل ليس واقعيًا ولا منطقي، لأن هذا التفاؤل لم يحِن أوانه بعد وسيمر وقت طويل قبل الوصول إلى الحلول المرتجاة لكل القضايا المطروحة لبنانيًا وإقليميًا ودولياً لأسباب كثيرة منها:
ـ أولا، إن حصول اتفاق جديد بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران حول الملف النووي الإيراني وسواه، كان ولا يزال بعيد المنال لأن ما تطرحه واشنطن من شروط معلنة وغير معلنة في المفاوضات غير المباشرة الجارية بين الجانبين لا يمكن لطهران أن تقبله خصوصًا وأن هذه الشروط تقيّد السيادة الإيرانية وتضعف موقع إيران الإقليمي وتتسبب بقطع علاقتها مع محيطها وتجعلها دولة منزوية تنشغل في قضاياها الداخلية، خصوصا وأن الجانب الإيراني يحتسب لمخطط أميركي هدفه إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية سواء حصل اتفاق على الملف النووي الإيراني أو لم يحصل وذلك عبر إثارة قلاقل داخلية ستكون أعنف مما حصل في محطات سابقة تمكن السلطة الإيرانية من إحباطها.
ـ ثانيا، إن نزع سلاح حزب الله الذي تضغط واشنطن في اتجاهه بالتعاون مع بعض القوى السياسية والمرجعيات السياسية اللبنانية ليس بالأمر السهل مثلما يظن البعض، خصوصًا في ظل استمرار المشروع الإسرائيلي لإقامة إسرائيل التوراتية وتصرف المسؤولين الإسرائيليين بنشوة "المنتصر" حيث يريدون إخضاع لبنان والشرق الأوسط لمشيئتهم، ولذا لا يمكن حزب الله وبالتفاهم مع القوى الحليفة له في محور المقاومة أن يسلم سلاحه والتخلي عن ثوابته، خصوصًا في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأراض لبنانية محتلة. ولذلك كانت الرسائل التي وجهها أمينه العام الشيخ نعيم قاسم في إطلالته المتلفزة الأخيرة والتي أراد منها إفهام من يعنيهم الأمر أن تسليم السلاح ليس واردا، وأن الحزب يمرر الوقت بصبر استراتيجي لا بد أن تكون له نتائجه العاجلة أو الآجلة بما سيؤدي الى تغيير قواعد اللعبة التي تحاول الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل فرضها.
ـ ثالثا، أن سوريا ولبنان، وفي ظل الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة عليهما سيجدان عاجلًا أم آجلًا وفي مكان ما وفي لحظة سياسية مناسبة أرضية مشتركة يلتقيان عليها لمواجهة هذه الاعتداءات واستعادة الأراضي اللبنانية والسورية التي احتلتها إسرائيل غدرًا إثر سقوط النظام السوري السابق وتوقف إطلاق النار على الجبهة الجنوبية اللبنانية في 27 تشرين الثاني الماضي. إذ تظن إسرائيل أن ما فعلته للبلدين ولا تزال سيمكنها من جرهما الى التطبيع معها بالقوة.
ولأجل ذلك فإن بنيامين نتنياهو ليس ذاهبا إلى وقف الحرب ضد محور المقاومة بل إنه يتجه الى مزيد من التصعيد ليتوّجه في نهاية المطاف بتسديد ضربة عسكرية مدمرة لإيران كونها تشكل رأس محور المقاومة الذي أصيب بضربات موجعة ولكنها لم تسقطه. وسيفعل نتنياهو ذلك لحظة حصوله على ضوء أخضر أميركي، وربما يكون قد حصل عليه ولكن من دون توقيت، وإلا فما الداعي لأن تزود واشنطن إسرائيل أخيرا بالقنابل التدميرية والأسلحة الصاروخية البعيدة المدى التي يمكن أن تستخدمها في عملية تدمير المنشآت النووية والاستراتيجية الإيرانية. وعندما يقول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إثر اتصاله الأخير بنتنياهو أنهما "اتفقا على كل القضايا" فذلك يعني أن واشنطن وتل أبيب هما على مسار واحد للوصول إلى هدف واحد، وأنهما ذاهبان إلى الحرب ليحققا أهدافهما التي يسعيان لتحقيقها الآن بالمفاوضات والديبلوماسية ولكنهما يدركان ضمنا أن ما يطرحانه من شروط لا يمكن لإيران ومحورها القبول بها.
لذلك يبدو عبثا قول البعض إن واشنطن وتل أبيب ستسمحان بقيام دول مركزية قوية في المنطقة من البحر المتوسط وصولا إلى الخليج وإيران وما بينهما، ولكن يبدو أن دول المنطقة بدأت تدرك هذه الحقيقة ولو متأخرة، وباتت تتصرف لمواجهتها من الآن وحتى موعد زيارة ترامب المقررة للسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر وربما من مصر في منتصف أيار المقبل، فالجميع بدأ يحتسب لمفاجآت قد تحصل في المنطقة خلال الأيام العشرين المقبلة والفاصلة عن موعد وصول ترامب إلى المنطقة.