كمال ذبيان - خاصّ الأفضل نيوز
رفع سعر المحروقات كان يحرق الحكومات، ليس في لبنان فقط، بل في دول العالم، ويحرِّك الشَّارع ضدَّ السُّلطة، وما فعلته الحكومه برئاسة نواف سلام، بزيادة سعر البنزين والمازوت إلى ما فوق المئة ألف ليرة، لاستخدامها في تحسين رواتب العسكريين، لاقى رفضًا شعبيًّا ونقابيًّا وحتى سياسيًّا، وبدأ يتفاعل ميدانيًّا بمطالبة موظفين في الإدارة العامة، والمؤسَّسات التَّربوية الرَّسمية والخاصة، إلى النَّظر في أوضاعهم أيضًا.
فلم يكن قرار الحكومة موفقًا، وهي بدأت من المكان الخطأ، وهو اللُّجوء إلى زيادة الرُّسوم والضَّرائب، التي باتت في لبنان تفوق قدرة المواطن على تحمُّلها، وهي سياسة اتبعت في حكومات سابقة، لا سيما منها تلك التي ترأَّسها رفيق الحريري، الذي اعتمد على الاستيدان بتوفير المال للخزينة عبر سندات بفوائد عالية، لجأ إليها من خلال تمويل المصارف عبر مصرف لبنان للخزينة، التي وقعت تحت دين عام وصل إلى حدود 80 مليار دولار، بفائدة سنوية وصلت إلى 6 مليار دولار، كانت تستوفى بالرُّسوم والضَّرائب.
وجرت محاولات لإصلاح الوضع النقدي والاقتصادي، لكن الحريري الأب، وقع في لعبة المحاصصة، وعبر منها إلى أن يحتكر التَّمثيل السِّياسي السّنّي، فاعتمد على "ترفيه المجتمع" عبر نهج اقتصادي، لم يعتمد على الإنتاج كالصِّناعة والزِّراعة، بل ركَّز على الدَّور السَّابق للبنان، وهو السِّياحة والاصطياف ووسيط مالي، وقد يكون ذلك مفيدًا، لكنه لا يبني اقتصادًا منتجًا وقويًّا، فجاءت حكومات أخرى لإنقاذ الوضع المالي الذي بدأت تظهر أزمته منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي، فسعى الحريري الأب والابن سعد، إلى أن يمنعا سقوط الهيكل المالي والاقتصادي، بمؤتمرات دوليَّة ومكرمات عربيّة لمساعدة لبنان من عدم الانهيار، الذي ظهر في العام 2017 وتدحرج إلى 2019، حين أعلنت حكومة سعد الحريري زيادة رسمٍ على مكالمات الهاتف الخلوي عبر تطبيق "الوتساب"، فخرج محتجُّون على هذه الزيادة، إلى الشارع في 17 تشرين الأول 2019 إلى ما سُمِّي "ثورة"، التي لم يكن لها قيادة موحَّدة أو برنامج، وأن بعضًا ممَّن تحرَّكوا، فكان بقرار خارجي عمومًا وأميركي خصوصًا، لإدخال لبنان في "فوضى خلاقة"، حصلت وأدَّت إلى أزمة مالية واقتصادية، وفتح الطريق أمام من سمُّوا أنفسهم "تغييريين" إلى النيابة، ففاز 12 منهم بمقاعد في عدد من الدوائر، وأسَّسوا لدور سياسي لهم بالوقوف ضدَّ المقاومة وسلاحها، وضد ما أظهروه بممارستهم، وتحالف بعضهم مع أحزاب في السلطة منذ عقود ومتهمة بالفساد، الذي كان شعارًا يهدف إلى الإمساك بالسلطة، وهذا ما ظهر بعد الحرب الإسرائيليّة على لبنان، وتغيير معادلات المنطقة ورسمها من جديد وفق المصالح الأمريكية - الإسرائيليّة، التي بدأت تترسخ في المنطقة بالتوسُّع الإسرائيليِّ والنفوذ الأميركي.
وتسمية نواف سلام رئيسًا للحكومة هو نتاج ما سمِّي "ثورة 17 تشرين"، فتبنت مجموعة "كلنا إرادة" وصول سلام من صفوفها إلى رئاسة الحكومة، وأعلنَ نواب تغييريون، أن الحكومة هي حصاد "الحراك الشعبي" ضدَّ الفساد، إلا أن رئيس الحكومة خذلهم بزيادة الرسوم على المحروقات، وحشرهم في الزاوية، وهم الذين تحرَّكوا للزِّيادة على المكالمات، ففضح سلام الهدف لما قاموا به، بعد نحو ست سنوات، إذ بات السؤال عن دورهم وموقفهم من هذه الزيادة التي لن تمرَّ بسلام على نواف سلام الذي يعرف أن ما قام به ليس إصلاحًا ماليًّا، إنما زيادة الفقر والبطالة، وأنه لا يحمل مشروعًا للنُّهوض الاقتصادي.