خليل حرب - خاصّ الأفضل نيوز
عقيلان ليس طفلاً فقط. هناك أكثر من 50 ألف طفل قتلتهم أو جرحتهم آلة الإبادة الإسرائيليّة منذ 18 شهرًا حتى الآن. عقيلان، واحد من هؤلاء، لكنه مات وحيدًا، وما من عائلة له لتفتقده أو تودعه.
محمد عقيلان، ليس مجرد طفل، برغم قبعة التخرج الصغيرة التي يرتديها هنا، وبرغم شهادة التقدير التي يحملها متباهيًا، وإن بحياء، وضعف نظره المبكر، وبيديه النحيلتين اللتين تمسكان بما كان يفترض أن يكون أمله من أجل المستقبل.
لكن ما من أحد يجرؤ على استخدام تعبير المستقبل هنا، في غزة التي تشهد إشكالات لم تعهدها البشرية من قبل، في "فنون" القتل وأساليبه وغاياته، كأن تدفع الجوعى إلى نقطة جغرافية صغيرة، بذريعة إطعامها، ولو بالفتات، ثم تصيدهم جماعيًّا.
محمد عقيلان، كان فقد عائلته بالكامل، والده وأمه وأخوته. والآن قتله قصف متجدد على منزل عائلته في دير البلح، فارتقى، لتباد العائلة بأكملها الآن، وتمحى من السجل المدني.
صورته اليتيمة كما نعرفها، مثله. يتيم ووحيد في عالم التوحش الذي يصنعه الكيان الإسرائيلي بلا كلل ولا ملل منذ 18 شهرًا.
يقتل محمد عقيلان، وتباد عائلته، فيما بين محطات التفاوض وجهود الوساطات اللاهثة خلف شروط الاحتلال ونزعاته. يقتل عقيلان، وتباد عائلته، ما بين مجزرة وأخرى، وما بين قتل جماعي ومذبحة تحمل اسم ويتكوف الذي يرعى خاطر "إسرائيل" بأن يحاول أن يجلب لها وقفًا مؤقتًا لإطلاق النار، يجيز لها، أن تستأنف ارتكاب الموت الجماعي بعد أيام.
يموت عقيلان، ما بين قمة وقمة. ما بين اجتماع ومؤتمر. ما بين غزوة وغارة. يموت بين هتافات الغضب والجوع. بين صرخات التضامن والخيانات. لكن اليوميات هي ذاتها، لا يخجل القاتل من تفاصيلها، ولا زعيم أو سياسي أو مفاوض ووسيط. يموت عقيلان وتندثر عائلته بأكملها أسوة بنحو 2200 أسرة اختفت بالكامل من السجلات المدنية في فلسطين.
عقيلان، كفلسطين مصغرة. مباح لك أن تهرب ألف مرة، وأن تنزح آلاف المرات، وأن تموت كل يوم، ولحظة انتفضت على سجنك الكبير، جعلوك "إرهابيا"، كإخوتك. عقيلان كغزة، لا تأتيك نجدة من "أمة كانت خير أمة أخرجت للناس"، ولا يأتيك غوث من أمة ذات رسالة خالدة، ولا من دولة كالتي استجارت امرأة بخليفتها المعتصم.
في سجنك، يأتيك "وسطاء" يشاركون قتلتك، أهدافهم... وحصاراتهم التي لا تنتهي. يأتيك أمثال ويتكوف، وطوني بلير، وأولبرايت وكونداليسا رايس وأنطوني بلينكن. ولا يأتي العرب إليك، إلا لماما، وإن جاءوا طالبوك بالصلح أولًا، وبالسلام، حتى لو أن شعبك لم يعش سلاما.
"عائلات مسحت من السجل المدني". جملة صارت شائعة في غزة الآن. ما من فرد من العائلة بقي حيا. ما من شيء استثنائي هنا. الاستثنائيون هم من بقي لهم فرد واحد فقط –أو الناجي الوحيد- من العائلة، وهم 5120 عائلة. أما أنت يا محمد حسين عقيلان، يا صورة عن قهر الفلسطينيين، فما من أحد يرثيك.
ولهذا كتبنا إليك، وعنك.