المصدر: بيروت- النهار العربي
"لكل كاتب ثلاث Øيوات: Øياة عامة وأخرى خاصة وثالثة سرية"... ما قاله غابرييل غارثيا ماركيز عن Øياة الكتّاب، بات ينطبق اليوم على Øياة أيّ شخص منا. صورة عامّة للمجتمع، أخرى خاصة للعائلة، وثالثة سريّة، مطمورة ÙÙŠ هواتÙنا النقّالة، ولا يعرÙها سوانا.
هذه المسارات الثلاثة قد تشكّل مدخلاً أساسيًا للØديث عن Ùيلم "أصØاب ولا أعز" (انتاج نتÙليكس، إخراج وسام سميرة). وإذا توقÙنا عند الØبكة، نجد أنّ Ø£Øداث الÙيلم تÙختصر بسؤال واØد: "ماذا لو وضعنا هواتÙنا النقّالة على الطاولة وقرأنا الرسائل الواردة بصوت عالÙØŸ".
هذا السؤال تطرØÙ‡ مي (نادين لبكي) على أصدقائها المدعوين الى العشاء ÙÙŠ بيتها. هكذا، ينساق الأصدقاء السبعة ÙÙŠ لعبة تقودهم الى كش٠تÙاصيل Øياتهم المخجلة. ينقسم الأصدقاء على ثلاث ثنائيات، مي ووليد (نادين لبكي وجورج خباز)ØŒ مريم وشري٠(منى زكي وإياد نصار)ØŒ جنى وزياد (ديامان بو عبود وعادل كرم)ØŒ إضاÙØ© الى صديقهم السابع ربيع (Ùؤاد يمّين).
لكلّ منهم مكانته العامّة وصورته الاجتماعية "البرّاقة". اجتمعوا معًا، ليلة خسو٠القمر، ÙÙŠ بيت مي ووليد، وهما أبوان Ù„Ùتاة مراهقة تريد أن تعيش Øياة جنسية كاملة مع Øبيبها.
Øول مائدة العشاء، نتعر٠الى Øياتهم الخاصة، كأصدقاء قدامى، يتبادلون النكات والطرائ٠والكلمات النابية. ثمّ تÙÙØªØ¶Ø Ø£Ø³Ø±Ø§Ø±Ù‡Ù… الخÙيّة على شاشاتهم الهشة.
إنّه اجتماع Ù…Øصور Øول المائدة، ÙÙŠ مشهد ÙŠÙذكّرنا بلوØØ© داÙنتشي "العشاء الأخير"ØŒ التي تØمل معاني خيانة يهوذا Ù„Ù„Ù…Ø³ÙŠØ ÙÙŠ عشائه الأخير. ÙˆÙÙŠ ما يلي، سنتوقّ٠عند "الخيانة" كثيمة أساسية ÙÙŠ هذا العمل.
يصوّر "أصØاب ولاّ أعزّ" الهات٠على أنّه عالم قائم بذاته، ندخله بلا أقنعة للتعبير عن Ùانتسمات٠ورغبات٠وعقد٠نعيشها ولا نقولها. لذا، يتجاوز الهات٠مÙهومنا الضيّق عنه. Ùلا يعود مجرّد وسيلة اتصال، وإنما مكمن الأسرار ÙˆØارسها. بل كأنّه المعادل المادّي لمÙهوم "العقل الباطن"ØŒ باعتباره نقطة التخزين بالمÙهوم الÙرويدي.
من أجل Ùهم أوسع للÙيلم ÙˆÙضائه العام، نسترجع تØليلات ميخائيل باختين للكرونوتوب، بمعنى ترابط الØيّز الزماني والØيّز المكاني، علمًا أنّ المكان والزمان ÙŠÙشكلّان العمود الÙقري لهذا العمل.
ÙŠØصل اللقاء ÙÙŠ بيت الزوجين مي ووليد، تزامنًا مع ظاهرة Ùلكية Ù…Ùنتظرة: "الخسوÙ". ووÙÙ‚ قراءة زمكانية للÙيلم، نجد أنّ الأØداث تدور ÙÙŠ Ù„Øظة تØوّل Ùلكي "استثنائي". ÙˆÙÙŠ هذه الليلة بالذات، تواجه Øياتهم تØوّلاً دراميًا "استثنائيًا".
الداخل والخارج
يعتمد الÙيلم على مقابلة الداخل والخارج. الأØداث كلّها تØصل داخل البيت، بين جدران٠مقÙلة. الأصدقاء مجتمعون Øول طاولة الطعام. كلّ واØد منهم ملتصق بالكرسيّ الخاص به. ومن المكان المØدود، ينتقلون بين Øين٠وآخر الى الخارج اللامØدود. يراقبون القمر ÙÙŠ Ù„Øظة خسوÙ٠كلّي.
وليس عبثًا أنّ عدد الأصدقاء سبعة، وهو من الأعداد التي تØمل ÙÙŠ علم الأرقام رموزًا سريّة ترتبط بتقسيم الÙلك ÙˆÙÙŠ قضايا التنجيم والتبصير.
ÙÙŠ الداخل يراقبون الهاتÙ. ÙÙŠ الخارج يراقبون القمر. الخسو٠Øاضر ÙÙŠ الÙضاءين. والانÙØªØ§Ø Ø¹Ù„Ù‰ Ø£Øدهما يعني متابعة "Øدث" لا يتكرّر يوميًا. ومثلما ÙŠÙقد القمر نوره Øين تق٠الأرض بينه وبين الشمس، ÙŠÙقد الأشخاص "نورهم" Øينما يق٠الهات٠بينهم وبين Ø£Øبّائهم. أمّا الأشخاص المشاركون ÙÙŠ "خراب" استقرارهم Ùهم غير موجودين. ÙŠÙذكرون بأسماء وهمية ومستعارة، كأنهم Ø£Ø´Ø¨Ø§Ø ØªØªÙ„Ø§Ø¹Ø¨ بالأقدار من خل٠ستار عازل.
خيانات متبادلة
رغم Ù…Øدودية المكان والزمان والأØداث، تصØÙ‘ ÙÙŠ العمل تأويلات كثيرة، أهمّها مسألة "الشعور الاجتماعي"ØŒ التي منØها عالم النÙس النمساوي ألÙرد ادلر معنى الانÙØªØ§Ø Ø¹Ù„Ù‰ الذات والغير. قلّة الانÙØªØ§Ø Ø¹Ù„Ù‰ الØقيقة ترسّخ الشعور بالنقص، ومن هنا يبدأ البØØ« عن التعويض. أمّا التعويض عند أبطال الÙيلم Ùمسلكه واØد: "الجسد".
مي (نادين لبكي) تخون زوجها مع صديقه مازن (عادل كرم)ØŒ مريم (منى زكي) تخلع جزءًا من ملابسها الداخلية لتقوم بمØادثة جنسية اÙتراضية. شري٠(اياد نصّار) يتلصّص على أجساد النساء العاريات عبر الهاتÙØŒ مازن (عادل كرم) يخون صديقه وزوجته وعشيقته، ربيع (Ùؤاد يمّين) مثليّ، إنما ÙÙŠ الخÙاء.
الخيانة إذًا هي سبيلهم الأوØد للتعويض عن صراعاتهم المتكتمة، وعن نقصهم ÙÙŠ الكلام ÙˆÙÙŠ المصارØØ© ÙˆÙÙŠ التعبير عن ذواتهم. وقد استخدم المخرج لقطات مكبرة close up للتركيز على Ù…Ù„Ø§Ù…Ø ÙƒÙ„Ù‘ واØد منهم، ولعلّ هذه التقنية هي الأنسب لكش٠المشاعر المكنونة داخل الشخصيات. وهي ساعدت مثلاً ÙÙŠ استخراج العمق الدرامي ÙÙŠ أداء جورج خباز، رغم هدوئه وقلّة كلامه.
"أصØاب ولا أعزّ" هو النسخة العربية من الÙيلم الإيطالي المعرو٠بعنوان The perfect strangersØŒ الذي صدر الى الآن ÙÙŠ 19 لغة. ومنذ Ù„Øظة عرضه على المنصة العالمية، انقسم المشاهدون بين Ù…Ùعجب ومÙستنكر. هذا الÙيلم يشبهنا؟ أم لا يشبهنا؟
لا شكّ أنّ الÙيلم "عالميّ" من Øيث موضوعه. ÙŠØ·Ø±Ø Ù‚Ø¶ÙŠØ© الهوات٠الذكية وتأثيرها على Øياتنا. وهذه المسألة لا تتعلّق بمجتمع أو ثقاÙØ©. علاقة الانسان بهاتÙÙ‡ واØدة، سواء لمن يعيش ÙÙŠ أميركا أو ÙÙŠ لبنان. الØياة السريّة المخÙية ÙÙŠ شاشته هي أيضًا مشتركة، ÙÙŠ Ùرنسا ÙˆÙÙŠ مصر. وهذا ما Ù…Ù†Ø Ø§Ù„Ùيلم قابلية التØويل الى ثقاÙات متعددة ومتباعدة.
لكنّ الÙيلم أخÙÙ‚ ÙÙŠ ترجمة هذه الÙكرة Ø¨Ø±ÙˆØ Ø¹Ø±Ø¨ÙŠØ©. Ùالتجربة موÙقة من Øيث جماليتها البصرية، لكنّها لم تنقل جوهر الثقاÙØ© العربية، بخصوصيتها الجغراÙية والÙكرية والعقائدية. Ùالعمل بدا "Ù…Ùصنّعًا" على طريقة وجبات الÙرانشايز الأميركية. مذاق لذيذ، سريع، سهل وإنما بلا بصمة. وغياب هذه الخصوصية يبدأ من "ديكور" البيت، وصولاً الى طريقة الأهل ÙÙŠ تربية أبنائهم.
ويبدو أنّ انتاجات "نتÙليكس" العربية لن تلتزم كثيرًا بطبيعة الثقاÙØ© العربية، وإنما هي من ستÙصدّر ثقاÙتها، سواء Ø£Øببت أم لا. ÙالأÙلام "النتÙليكسية" لا تبØØ« عن جمهور. المتابعون جاهزون أصلاً، والمÙشاهÙد بات "رقمًا"ØŒ وليس عينًا. وهذا يؤسس Øتماً نسَقًا جديدًا ÙÙŠ العلاقة بين "السينما" وجمهورها.