ميرنا صابر - خاصّ الأفضل نيوز
وسط الانكماش الاقتصادي والشلل النقدي الذي يعيشه لبنان منذ أكثر من أربع سنوات، تتجه الأنظار إلى قطاع غير تقليدي يُمكن أن يشكّل مخرجًا جزئيًا من الأزمة: الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي. فبينما تعطّلت عجلة الإنتاج الصناعي والتجاري بسبب غياب السيولة وفقدان الثقة بالنظام المصرفي، بدأت مبادرات شبابيّة صغيرة لكن متسارعة تضع بصمتها في مجالات رقمية متقدمة.
من اللافت أنّ الأزمة الحاليّة دفعت آلاف اللبنانيين إلى العمل الحر عبر المنصات الرقميّة العالميّة. فبدل أن يبحثوا عن وظائف محليّة غير متوفرة، توجّهوا إلى أسواق دوليّة تُقدّر كفاءتهم بالدولار الطازج. يُظهر رصد غير رسمي أنّ المداخيل الشهرية لمبرمجين ومصممين لبنانيين عبر هذه المنصات تراوح بين 1000 و5000 دولار، وهو رقم يتجاوز مداخيل موظفين في مؤسسات مصرفيّة أو تجارية محليّة.
معلومات اقتصادية خاصة لـ"الأفضل نيوز" تشير أنّ: "نحن أمام ظاهرة جديدة يمكن تسميتها اقتصاد الضرورة. الأزمة لم تترك خيارًا أمام الشباب سوى الانخراط في الاقتصاد العالمي الرقمي. هذه المرونة هي ما أنقذ جزءًا من الطبقة الوسطى اللبنانيّة من الفقر المدقع، لكنها تبقى جهودًا فردية مبعثرة من دون إطار تنظيمي أو دعم رسمي."
في موازاة العمل الحر، بدأت شركات ناشئة في بيروت وطرابلس وصيدا تبني نماذج أعمال تعتمد على الذكاء الاصطناعي. بعض هذه الشركات يعمل على تدريب نماذج لغوية تفهم اللهجة اللبنانية، فيما أخرى تقدّم حلولًا للقطاع الصحي عبر تقنيات "التشخيص عن بُعد".
معلومات الأفضل نيوز التكنولوجيّة الخاصة تؤكد أنّ: "لبنان يمتلك طاقات بشرية هائلة في مجالات البرمجة والهندسة، لكن المشكلة أنّ هذه الطاقات تعمل بشكل فردي أو تهجر البلد. لو وُضع إطار قانوني وتنظيمي واضح، يمكن أن يتحول لبنان إلى مركز إقليمي للذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط، تمامًا كما فعلت إستونيا في أوروبا بعد أزماتها الماليّة."
جانب آخر لا يقل أهمية يتمثل في النظام المالي الموازي الذي بدأ يتكوّن عبر العملات الرقميّة المستقرة. عدد متزايد من المؤسسات والمطاعم والمحال التجارية يقبل الدفع بـ"USDT"، ما وفّر حلاً عمليًا لتفادي أزمة السيولة والقيود المصرفية. هذا الواقع يخلق نوعًا من "الاقتصاد الموازي"، يخفف اعتماد اللبنانيين على البنوك التي فقدت دورها التقليدي.
رغم هذه المؤشرات الإيجابية، يظل الخطر الأكبر في غياب أي بنية تشريعية. لا قوانين واضحة تضبط الذكاء الاصطناعي أو العملات الرقميّة، ولا سياسات تحفيزية تدعم الشركات الناشئة. والنتيجة أنّ هذه المبادرات قد تتحول إلى مجرد قصص نجاح فردية تُهاجر مع أصحابها بدل أن تتحول إلى قطاع اقتصادي وطني منظم.
إذا كان لبنان قد خسر مكانته كمركز مالي وسياحي في المنطقة، فإن أمامه فرصة تاريخية ليصبح لاعبًا رقميًا من خلال اقتصاد المعرفة. لكن هذه النافذة لن تبقى مفتوحة طويلًا. فالدول المجاورة من الخليج إلى الأردن سبقت أشواطًا في هذا المجال. ويبقى السؤال هل تملك الدولة اللبنانية الإرادة والرؤية لتبني الاقتصاد الرقمي كاستراتيجية وطنية، أم ستبقى هذه الفرص حبيسة شاشات الكمبيوتر في غرف الشباب اللبناني؟

alafdal-news
