ليديا أبو درغم - خاصّ الأفضل نيوز
في اختراق تاريخي بعد عامين من الصراع الدموي في غزة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب التوصل إلى اتفاق سلام بين "إسرائيل" وحماس يتضمن إطلاق سراح جميع الرهائن وانسحاباً جزئياً للقوات الإسرائيلية من القطاع.
ويمكن القول إن ما نُفّذ إلى الآن من الاتفاق هو المراحل السهلة نسبياً، وبمقدور الطرفين الوفاء بالتزاماتهما حيالها فوراً. لكن المعضلة الأساسية تكمن في المراحل التالية التي تتميز بصعوبة بالغة في تنفيذها، ما قد يحتاج إلى الاعتماد على التوافق السياسي والأمني الفعّال، ووجود آليات رقابة وتطبيق صارمة، وتحقيق ضمانات دولية نافذة. وفي غياب ذلك، فإن السيناريو الأرجح هو استمرار التعقيدات، خاصة في ظل استقطابات داخلية وإقليمية، وعدم توافق الأطراف على البنود الجوهرية، مع إعلان حماس مشاركتها في تشكيل حكومة التكنوقراط التي ستدير قطاع غزة، حيث اختارت نصف أعضاء الحكومة من شخصيات متعاطفة مع حماس، فيما اختارت السلطة الفلسطينية النصف الآخر، فهذا التطور الدراماتيكي سيبقي لحماس موطئ قدم غير مباشر في إدارة القطاع حتى بعد انتهاء الحرب.
وقف إطلاق النار في غزة لا يمثل نهاية الحرب بقدر ما يفتح فصلاً جديداً من الغموض السياسي والأمني، في وقت يواجه فيه العالم أكثر لحظاته الأمنية هشاشة منذ الحرب العالمية الثانية مع تنقل وتوسّع ساحات الحروب.
فخطة ترامب لإنشاء قوة استقرار دولية في غزة تواجه عقبات معقدة تكشف هشاشة التفاهمات الإقليمية، فلا دولة ترغب في نشر قواتها وسط بيئة أمنية هشة، وخاصة مع غياب رؤية محددة لمهامها أو قواعد اشتباكها.
في المقابل، تصرّ حماس على أن مسألة نزع السلاح يجب أن تُناقش في إطار وطني شامل، ما يعني عملياً أنها لن تتخلى عن ترسانتها قريباً، فيما لا ينوي الجيش الإسرائيلي التخلي عن السيطرة على أكثر من نصف القطاع الذي يحتله الآن، في استمرار لسياسة الاحتفاظ بالمواقع العسكرية كما فعل في لبنان وسوريا. كل ذلك يعزز الاعتقاد بأن "إسرائيل" لن تنسحب من غزة في المستقبل المنظور، مما يجعل خطة ترامب أقرب إلى طرح سياسي نظري يفتقر إلى أسس التنفيذ الواقعي.
لم تأتِ "خطة السلام" التي أعلنها ترامب من فراغ، وإنما جاءت نتاج تقييم للأوضاع الميدانية والسياسية في الشرق الأوسط الذي أصبح على أعتاب مرحلة جديدة، ولكن شكل هذه المرحلة وطبيعتها لا يزالان غير واضحين تماماً، وهي تنذر بتداعيات وخيمة.
ورغم صعوبة عودة الحرب بوتيرة الإبادة السابقة نظرياً، فإن الخبرة الطويلة مع غدر الاحتلال ونكوصه، وتذبذب مواقف ترامب، تُظهر أن التحديات ستبقى قائمة على المدى البعيد، ما يدفع إلى الحذر الشديد في مختلف مراحل الاتفاق، ويحمّل العالم العربي والإسلامي مسؤولية مراقبة التطبيق وتشكيل شبكة أمان لقطاع غزة والقضية الفلسطينية، وخصوصاً الدول المنخرطة في خطة ترامب والداعمة لها، ما قد يتطلب استعداداً لتقديم تنازلات من أجل تجنب نشوب صراع عالمي جديد.

alafdal-news
