مارينا عندس- خاصّ الأفضل نيوز
لطالما كانت التجارة في لبنان هي الركن الأساسي لـ"جوهرة" الوضع الاقتصادي في البلد. فعلى مر السنين، أثبت لبنان قدرته على التجارة الداخلية والخارجية نتيجة انفتاحه الثقافي واللغوي، وموقعه الجغرافي الاستراتيجي، بحيث يربط بين أوروبا وآسيا وأفريقيا. وكما نعلم، اللبنانيون القدماء، أي الفينيقيون، كانوا من أعظم التجار في العالم القديم. أسسوا موانئ في صور وصيدا وجبيل، وأقاموا مستعمرات تجارية من بينها قرطاج شمالي إفريقيا. وطوّروا سفنهم للوصول إلى إسبانيا وإيطاليا وحتى غربي إفريقيا.
ورغم تطور وضع التجار في لبنان، إلا أن هذا الواقع يعكس مزيجًا بين المرونة من جهة، والتحديات من جهة أخرى، منها اقتصادية وأخرى أمنية وكذلك إلكترونية. ونحن هنا لنتحدث عن النقطة الثالثة.
التحوّل نحو التجارة الإلكترونية
شهدت التجارة الإلكترونية، أو ما يُعرف بالتجارة عبر الإنترنت، تطورًا ملحوظًا في جيلنا هذا، بعد أن اكتسحت شبكات الإنترنت معظم القطاعات، ولا سيّما قطاع التجارة منذ أيام كورونا حتى يومنا هذا. لذلك، استغل بعض التجار الوضع واستثمروا في البيع على المنصّات المحلية والعالمية، وقاموا بتوسيع رقعتهم وبيع الأغراض والمستلزمات الأساسية والرفاهية لأكبر عدد ممكن من الزبائن، من دون تكاليف الإيجارات وغيرها، فقط من خلال دفع الجمرك وخدمات التوصيل. لكنّ القسم الأكبر كان ضحية ما يجري. فمنهم من أغلق محلاته وجلس في منزله من دون أي مكسب، ومنهم من حاول مرارًا وتكرارًا من دون جدوى. فما الذي حصل بالضبط؟
تراجع المبيعات في المتاجر التقليدية
اتجه كثير من الزبائن نحو التجارة الإلكترونية، بحيث يمكنهم أن يتسوّقوا ما يحلو لهم في وقتٍ قليلٍ، وبكبسة زر، وكل ما عليهم فعله إرسال موقع المنزل. وبهذه الطريقة يخسر التاجر التقليدي زبائنه، خصوصًا جيل الشباب. والمعضلة أنّه يتنافس مع منافسين غير شرعيين، من دون حسيب أو رقيب.
تقول سيدة أربعينية إنها "غالبًا ما كانت تتبضّع من تجار جونية لشراء بعض الألواح والزخارف والتلوين للأطفال، لكنها هي نفسها وقعت في فخ شرائها أونلاين"، وتضيف: "إذا كنتُ أنا نفسي أشتري البضاعة أونلاين لأنها أقل تكلفة، فهل أعتب على الزبون؟"
في دراسة لشركة Ipsos بعنوان Spotlight Lebanon – Online Shopper Behaviour & Attitudes عام 2024، تبيّن أن حوالي اثنين من كل خمسة أشخاص في لبنان أصبحوا "متسوّقين عبر الإنترنت". ويشير التقرير إلى أن "العاملين الرئيسيين وراء التسوّق الإلكتروني هما الراحة (67 %) والعروض الجذّابة (52 %)".
تقرير آخر لـIpsos بعنوان Shopper Behaviour & Attitudes أيضًا عام 2024، يشير إلى أن "تسعة من كل عشرة متسوّقين في لبنان ما زالوا يفضّلون التجربة في المتجر الفعلي، وأربعة من كل خمسة يفضّلون إنفاقهم على منتجات مادية بدلاً من تجارب".
أما موقع Statista فيقدّر أن "الإيرادات في سوق التجارة الإلكترونية في لبنان ستبلغ حوالي 1.01 مليار دولار أمريكي أواخر عام 2025، مع نسبة انتشار للتسوّق الإلكتروني تبلغ نحو 26 % في نفس العام".
الحلول البديلة سيّدة الموقف
على الرغم من أن التجارة الإلكترونية في لبنان مثّلت فرصًا للنمو والتوسع، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية التي دفعت الكثيرين إلى البحث عن حلول بديلة، إلا أنها في الوقت ذاته شكّلت تحديًا كبيرًا للتجار التقليديين الذين وجدوا أنفسهم أمام منافسة غير متكافئة وسوق متغيّر بسرعة. فبينما تنمو المنصات الإلكترونية، تتراجع الحركة في المتاجر الفعلية، ويتزايد الضغط على التجار المحليين الذين يفتقرون إلى البنية التحتية الرقمية، والدعم المالي، والتشريعات التي تنظّم هذا التحوّل.
إنّ مستقبل التجارة في لبنان لن يُبنى فقط على سرعة التحوّل الرقمي، بل أيضًا على قدرة الدولة على توفير بيئة عادلة ومنظّمة، وعلى مرونة التجار أنفسهم في مواكبة هذا التغيير واستغلاله بما يخدم مصالحهم ويعيد التوازن إلى السوق.

alafdal-news
