كمال ذبيان - خاصّ الأفضل نيوز
لا يأتي وفدٌ أو مبعوثٌ أميركيٌّ إلى لبنان إلا حاملًا معه "العصا والجزرة"، كما قال الموفد الأميركي توم براك، الذي، كالإدارات الأميركية المتعاقبة، جمهوريةً كانت أم ديمقراطية، يضع "وجود إسرائيل وأمنها" فوق كل اعتبار، ويقدّمه على المصلحة الأميركية، لأنها تمثّل لهم نقطة الارتكاز لمشاريعهم في المنطقة، التي تلتقي مع "المشروع التوراتي - التلمودي"، بإقامة "إسرائيل الكبرى" التي تسبق مجيء المسيح الذي لا يعترفون بقدومه، ويصفونه بـ "المسيح الدَّجال" أو "المسيخ".
فمن هذا المنطلق يجب فهم السياسة الأميركية التي تقود بها العالم نحو الحروب والفوضى الخلّاقة التي بشّر بها وعمل لها الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، الذي احتلّ العراق عام 2003، ومنه بدأ رسم الشرق الأوسط الجديد الذي تستكمله واشنطن بمن يكون في البيت الأبيض.
وإلحاق لبنان بالمشاريع الأميركية يعود إلى نحو سبعة عقود، مع مشروع الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور لمحاربة الشيوعية، وانضوى لبنان الرسمي برئاسة كميل شمعون تحته، وصعد قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب إلى رئاسة الجمهورية، فوقع لبنان تحت هيمنة مصرية – أميركية أمّنت الاستقرار لسنوات.
في المرحلة الحالية، يتقدّم مشروع أميركا للشرق الأوسط الجديد، وأساسه إسرائيل التي ستقود اقتصاديًّا من خلال دولٍ تنضوي تحت مسمّى "اتفاقات أبرهام"، ولبنان هو إحدى الدول المدعوّة للانضمام إليها، وتقديم النموذج السوري له بعد سقوط النظام السوري السابق ووصول "هيئة تحرير الشام" إلى السلطة، وتولّي أحمد الشرع رئاسة الجمهورية السورية، ففُتحت له أبواب العواصم الكبرى، فظهرت السعودية والإمارات وفرنسا وروسيا وأميركا مؤخرًا بعد حضوره مؤتمرًا في البرازيل.
فالنَّموذج السُّوري يُقدَّم للبنان، الذي عليه أن يجتثّ "حزب الله" ليس عسكريًّا فقط، بل ماليًّا ووجودًا سياسيًّا، وبذلك يكون قد خرج فعليًّا من النُّفوذ الإيراني، وهو ما فعله الحكم الجديد في سوريا، ولم يقتنع به الرئيس السوري السابق بشار الأسد، فكان مصيره السقوط الذي انعكس على لبنان، الذي لم يعد لـ "حزب الله" وحلفائه في خطِّ المقاومة حاضنٌ أو عمقٌ قوميّ، وهذا ما سهّل، وبعد شهر على سقوط النِّظام السَّابق، انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيسًا للجمهورية، وتسمية نواف سلام رئيسًا للحكومة، في تطوّرٍ سياسيٍّ لم يكن متوقّعًا، وخلال أشهر قليلة من استشهاد الأمينين العامين لـ "حزب الله" السيِّدين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، وحصول اتفاقٍ لوقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني من العام الماضي.
هذه التطوّرات تسعى أميركا إلى استثمارها في لبنان، بنزع سلاح "حزب الله" كليًّا وعدم التباطؤ في ذلك، بالتزامن مع تجفيف تمويل "حزب الله" المصنَّف من أميركا إرهابيًّا، ومع إقصائه عن موقع القرار بتقليص حجمه النيابي.
هذه الشروط الأميركية يحملها الموفدون الأميركيون، وآخر من حضر إلى لبنان هو وفدٌ أميركيٌّ مختصٌّ بمكافحة الإرهاب، وهذه هي أهميّته، إذ أتى ومعه آلية تنفيذية لمنع وصول الأموال إلى "حزب الله"، الذي أشار الوفد الأميركي إلى أنه دخل إليه نحو مليار دولار خلال العام الحالي، وهو يريد أن يعرف كيف وصل هذا المبلغ، وما هي الإجراءات التي تتَّخذها الحكومة اللبنانية.
فأبلغ الوفدُ الأميركي عدمَ رضاه واستياءه من الإجراءات البطيئة التي يقوم بها لبنان، وفق معلوماتٍ من مصادر نيابية التقت بالوفد، الذي كان أعضاؤه صريحين مع المسؤولين اللبنانيين بأن الوقت يضيق على لبنان، وأن الفترة الزَّمنية للرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع هي نفسها لانتخاب عون رئيسًا للجمهورية، فدخل الشرع البيت الأبيض، ورُفعت العقوبات عنه وعن سوريا، بما في ذلك قانون قيصر، فيما ما زال لبنان على رصيف الانتظار، حسب وصف الوفد الأميركي الذي سمع منه من التقوه حزمًا بأن المهلة الزمنية التي أُعطيت للبنان لإنهاء الوجود العسكري لـ "حزب الله" وتجنّب الانهيار المالي، هي تبليغ رسمي من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، نقله نائب مساعد الرئيس والمدير الأول لمكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي الأميركي الدكتور سيباستيان غوركا، ووكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية جون هيرلي، والمختص في مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي الأميركي رودولف عطا الله.
ووضع الوفد الأميركي أمام رئيسي الجمهورية والحكومة ووزراء المال والعدل والداخلية ورقة للعمل بها تتضمن مهلة زمنية لوقف تبييض الأموال ومراقبة جميع شركات الصرافة التي عبرها يتم نقل الأموال، وفق الوفد الذي أكد أن الوقت غير مفتوح على لبنان سواء بالنِّسبة للسِّلاح أو التمويل الذي يحصل عليه "حزب الله".
ودافع المسؤولون اللبنانيون أمام الوفد الأميركي عما يقومون به من اتخاذ قرار حصر السلاح والبحث عن سلاح "حزب الله"، وأن الجيش اللبناني يقوم بواجبه ويتسلمه، وكذلك في موضوع التمويل الذي سدّت مصرف لبنان مسارب وصول الأموال وأصدر تعاميم بذلك.
لقد وقع لبنان تحت النفوذ الأميركي المباشر، وبات يُدار من المفوضين الأميركيين، وتُفرض عليه الشروط، ويوصف بأبشع العبارات، كمثل "دولة فاشلة" لأنه يقصر في تلبية المطالب الأميركية بالسُّرعة المطلوبة والمهلة الزَّمنيَّة المحدَّدة.

alafdal-news
