كريستال النوّار - خاص الأفضل نيوز
نعم حصل في لبنان. إنّه ليس مُسلسلاً تركيًّا ولا سيناريو لفيلم هوليوودي.
فقد أعلنت المديرية العامة لأمن الدولة أمس، توقيف طبيب متورّط في الاتجار بالأطفال حديثي الولادة، وذلك بعد توافر معلومات حول تورّطه مع عصابةٍ منظّمة تعمل على بيع ونقل الأطفال حديثي الولادة بطرق غير قانونيّة. وتبيّن في التّحقيق أنّ الطّبيب المذكور عمد إلى تسهيل نشاط العصابة عبر تزوير وثائق الولادة وبيانات القيد لإخفاء هويات المواليد وتسجيلهم بصورةٍ مخالفة للقانون.
هذا الخبر تصدّر العناوين الاجتماعيّة، رغم أنّ الأخبار الصّادمة لم تعد تُفاجئ اللبنانيّين بسهولة. فهم أبناء بلدٍ اعتاد أن يستيقظ يوميًّا على قضيّة أو قضايا تفتح أبواب القلق والذّهول، بعيداً كلّ البُعد عن الشّعور بالأمان.
لكن خبر توقيف طبيب متورّط في الاتجار بأطفال حديثي الولادة لا يُشبه باقي المستجدّات. فهو لا يعبّر فقط عن جرمٍ فرديّ، بل يطرح أسئلةً هامّة حول مجتمعٍ باتت تظهر في زواياه علاماتٌ إجراميّة لاإنسانيّة، لم نعتد على بشاعتها في بلدنا. وكلّ ذلك.. من أجل المال!
في تفاصيل القضية، يتّضح أنّ التحقيقات لا تتعلّق بمُخالفةٍ بسيطة أو خطأ محدّد يُمكن تصحيحه، بل بشبكةٍ تستغلّ بعض العائلات وفقرها مع انعدام الحماية الاجتماعيّة، لرسم مسار حياة طفلٍ بالكاد بدأ يتنفس.
هذا الطّفل الذي يولد وسط جريمةٍ لا علاقة له بها، أيّ مستقبلٍ ينتظره؟ وما الحياة التي قُدِّمت له؟!
يُشير مصدرٌ ناشطٌ في العمل الاجتماعي في حديثٍ لموقع "الأفضل نيوز"، إلى أنّ "الردّ الأسهل على هكذا جرائم قد يكون تسليط الضّوء على ضعف الرقابة أو غياب حضور الدولة اجتماعيًّا، لكنّ الحقيقة المؤلمة أعمق من ذلك. فمثل هذه القضايا لا تظهر من العدم، بل من بيئةٍ اجتماعّة مأزومة يعيش فيها النّاس بين عبء الأزمات الاقتصاديّة وغياب الخدمات الأساسيّة، وتُصبح فيها الفئات الأكثر ضعفاً أكثر هشاشة من أيّ وقتٍ مضى. وهنا طبعاً نتحدّث عن العائلات التي تقع ضحيّة هذه الجرائم".
ويُضيف المصدر: "اللافت في هذه القضيّة تحديداً، ليس الجرم فحسب، بل الفاعل أيضاً.
فالصّورة التقليديّة للطبيب في ذهن اللبناني تُعتبر مرجعيّة لأنّه صاحب العلم والمسؤوليّة والشّهامة وهنا تكمن الصّدمة الحقيقيّة. إنّ دخول طبيبٍ إلى هذا النّوع من الأفعال ليس تفصيلاً، بل مؤشّر لثغرة كبيرة يجب التوقّف عندها ومعالجتها".
الغريب أيضاً، وفق المصدر، أنّ ما يزيد من وطأة الأمر هو اكتشاف اللبنانيّين في السّنوات الأخيرة لملفّاتٍ مُشابهة مثل مُخالفات المستشفيات، تجاوزات بعض المؤسّسات التربويّة، الاستغلال الموجود في بعض الإدارات، وانتشار خيانة ثقة النّاس في مختلف المجالات.
الانهيار لم يعد مقتصراً على الاقتصاد والوضع المعيشي، بل أصبح انهياراً في المسلّمات.
في السياق نفسه، يُشدّد المصدر على أنّ توقيف الطبيب خطوة ضروريّة والعدالة يجب أن تأخذ مجراها، لكنّ القضية لا تنتهي عند هذا الحدّ. فالأهم هو معالجة البيئة التي تنتج مثل هذه الجرائم، أي التركيز على دعم النساء المعرّضات للضغط، وتطوير شبكات حماية اجتماعيّة، وإطلاق حملات توعية حول حقوق الطّفل، وتشديد الرقابة على المؤسّسات الطبيّة، وتفعيل مبدأ المحاسبة بعيداً عن الاستنسابيّة.
كما يُسلّط الضوء على حقيقةٍ مهمّة، وهي أنّ "الفضيحة الحقيقية ليست في توقيف الطبيب وحده، بل في أنّ مجتمعاً كاملاً بات يعتاد على قراءة مثل هذه الأخبار وكأنّها جزء من يوميّاته"، لافتاً إلى أنّ "هذه الواقعة يجب أن تكون جرس إنذار ليس لفضح المذنبين فقط، بل لاستعادة ثقة خُدشت إذا لم نقل هُدمت. وهي ثقة اللبنانيّين بالمؤسّسات، بالأطباء والمستشفيات، بالنّظام الاجتماعي، وبقدرتهم على أن يعيشوا في بلدٍ يحمي أطفاله قبل أيّ شيء آخر ويضمن لهم مستقبلاً طبيعيًّا".
تخيَّلوا أن تمرّ هذه القضيّة مرور الكرام، لتفتح الباب مُستقبلاً أمام ملفّاتٍ مُماثلة وأكثر وحشيّة تستهدف حديثي الولادة، في بلدٍ تتطوّر فيه أساليب كسب المال لدرجةٍ أصبح الفرد يتجرّد من إنسانيّته بكلّ سهولة وبلا ضمير.
الصّورة هنا على الشّكل الآتي: الطّفل بات سلعة، والطّبيب الذي يُفترض أن يكون ملاذاً آمناً أصبح جزءاً من حلقة المُتاجرة. هل يُعتبر هذا الخبر بسيطاً أم يستوجب التوقّف عنده ودقّ ناقوس الخطر؟ نتركُ الجوابَ لكم..

alafdal-news
