كمال ذبيان - خاص الأفضل نيوز
تمارسُ أميركا في سياستها، ازدواجيّة المعايير، مع كلّ الأزمات والحروب في العالم، انطلاقًا من مصالحها، ففقدت صديقيّتها الدوليّة، بعد أن وضعت نفسها مع الظّالم ضدّ المظلوم، وهذا ما ظهر من خلال موقفها المنحاز إلى العدو الإسرائيلي منذ تأسيس الكيان الصهيوني، التي كانت هي مع الدول الاستعمارية، لا سيّما بريطانيا الحليف الدائم للولايات المتحدة، التي صدر عن وزير خارجيّتها أرثر بلفور الوعد اللاحقوقي واللإنساني، بإعطاء اليهود وطنًا في فلسطين في ٢ تشرين الثاني ١٩١٧.
فبعد عمليّة "طوفان الأقصى" التي نفّذتها "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس" في ٧ تشرين الأول ٢٠٢٣، جنّدت أميركا كلّ إمكاناتها للحفاظ على وجود الدولة العبريّة، وحماية أمنها، فحضر الرّئيس الأميركي جو بايدن إلى فلسطين المحتلة بعد أيّام من العمليّة، ليعطي الضّوء الأخضر للحكومة الصهيونيّة برئاسة بنيامين نتنياهو، لشنِّ الحرب على غزة، والقضاء على حركة "حماس"، فمدّ جيش الاحتلال الإسرائيلي بالسّلاح، بما يوازي ٣٠٠ طائرة نقلت الأسلحة الثقيلة، التي دمّرت غزة، وقتلت أهلها لا سيما الأطفال والمسنّين منهم، فلم يبق بناء قائم، حيث طال الدمار المستشفيات والمدارس والجامعات وحصلت عمليّة تهجير قسريّة للأهالي من شمال القطاع إلى جنوبه، بهدف تحويله إلى أرض لا بشر عليها، وهذا ما كشفه وزير الأمن الإسرائيلي إيثار بن غفير وزميله وزير المال وهذه الإبادة الجماعية، كانت تحصل بموافقة واشنطن، وأمام مرأى من العالم، إلى أن تقدّمت دولة جنوب أفريقيا بدعوى أمام المحكمة الدولية، ضد العدو الإسرائيلي، الذي فنّدت جرائمه في الإبادة الجماعيّة.
ومع الضّجّة العالميّة، والمشاهد المصوّرة، لما يجري في غزة، بدأت الإدارة الأميركية، تتحدّث مع الحكومة الإسرائيلية عن تغيير الأسلوب، وليس عن وقف الحرب، وقد منعت واشنطن صدور قرارات عن مجلس الأمن الدولي، تطالب العدو الإسرائيلي بوقف الحرب، وادّعت بأنّه يدافع عن نفسه ويحمي أمنه من حركة "حماس" الموصوفة إرهابية عند الإدارة الأميركية منذ عقود، في وقت يبرّئ المسؤولون الأميركيون وغالبيتهم يدينون باليهودية، مثل وزير الخارجية أنطوني بلينكين، الذي تسرّب بأنّه اختلف مع نتنياهو على الخطّة العسكريّة الّتي يخوض الحرب فيها على غزة، ولم يحيّد فيها المدنيين، ولا المؤسّسات الصّحيّة والتّربويّة، ولا حتّى التّابعة لوكالة غوث اللاجئين (الأونروا)، التي طلبت أميركا بوقف تمويلها، وهي الدولة التي تدفع نسبة عالية من ميزانيتها، بقصد تجويع الفلسطينيين، حيث حذّرت وكالات ومنظّمات إنسانيّة، من الوضع في غزة، لا سيما في جنوبها، في خان يونس ومعبر رفح الذي تجمّع فيه أكثر من مليون فلسطيني، فرض عليهم جيش الاحتلالِ الإسرائيليّ، النّزوح إلى هذه المنطقة لأنّها آمنة، ولكنّ هدفها هو ترحيل الفلسطينيين إلى سيناء، وهذا ما رفضته مصر، التي كشف رئيسها عبد المفتاح السيسي، بأنّ أميركا وإسرائيل عرضا عليه، استقبال النازحين الفلسطينيين من غزة، مقابل إعفاء مصر من ديونها، وهو المشروع الذي عُرض على لبنان، في تسعينات القرن الماضي، بتوطين الفلسطينيين مقابل مساعدات ماليّة للبنان، وهو ما يحصل حاليًّا مع النازحين السوريين.
ولتنفيذ إسرائيل لمشروع التّرحيل (ترانسفير)، فإنّها تعدّ لعمليّة برّيّة في جنوب غزة، حيث نبّهت واشنطن الحكومة الإسرائيلية من اللّجوء إلى ذلك، لأنّه سيؤدّي العمل العسكري، إلى إبادة جماعيّة على من تبقّى من الفلسطينيين في القطاع، الذي تناور الإدارة الأميركية، في منع اجتياحه برّيًّا من قبل جيشِ الاحتلالِ الإسرائيلي، حيث أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن بأنّه اتصل بوزير الحرب الإسرائيلي يواف غالانت وأبلغه بأن تكون العمليّة البرّيّة ضمن قواعد إنسانيّة بحيث تكون الخسائر البشريّة أقل ممّا حصل في شمال ووسط القطاع.
وما يظهر في الإعلام عن تناقض أميركي- إسرائيلي، حول الحرب على غزة، فإنّما هو في إطار التكتيك، وتقديم صورة لأميركا بأنّها لا تشجّع على الإبادة، وهي الصّامتة عمّا يحصل منذ أكثر من أربعة أشهر، لا بل تقديم الدعم للكيان الصهيوني عسكريًّا وماليًّا وسياسيًّا ودبلوماسيًّا، وهي شريكة في الحرب في العراق وسوريا واليمن، وتضغط على لبنان، لانسحاب "حزب الله" إلى شمال الليطاني وتفكيك "قوة الرضوان"، لتأمين عودة النازحين الإسرائيلين، وهذا ما رفضه لبنان فأميركا تختلف مع العدو الإسرائيلي على أسلوب الحرب في أماكن وهي مدّدت له، حتّى نهاية نيسان لتحقيق أهدافه.