كمال ذبيان - خاص الأفضل نيوز
"سوريا الجديدة"، هو التَّوصيف الذي أُعطي لمرحلة ما بعد سقوط النِّظام السَّابق الذي يقوده حزب البعث العربي الاشتراكيّ، وحكم منذ ٨ آذار ١٩٦٣، فأي دستور سيتم تبنِّيه من قبل القيادة الجديدة في سوريا، التي سيطرت عليها "هيئة تحرير الشَّام" برئاسة أحمد الشرع المعروف بـ " أبي محمد الجولاني"، والمنحدر من "تنظيم القاعدة" الأصولي التكفيري، والتحق بـ " الدولة الإسلامية في العراق والشام" بقيادة أبو بكر البغدادي(داعش)، الذي انشق عنها الجولاني، وأسس "جبهة النُّصرة" ليحصر نشاطها في سوريا، وأقام في محافظةِ إدلب بعد أن أسس "هيئة تحرير الشَّام"، وأنشأ "حكومة إنقاذ" التي ترأسها مؤخرًا محمد البشير الذي تسلم الحكومة الانتقالية في سوريا لمدَّة ثلاثة أشهر، تحضيرًا لعقد مؤتمر حوار وطني ينبثق عنه مشروع دستور يستند عليه النِّظام الجديد.
ولا يبدو أن السُّلطة الجديدة الحاكمة، أرسلت إشارات حول شكل النِّظام المقبل، فهل سيعتمد دستورًا ينصُّ على أن "الشَّرع الإسلامي" هو الذي سيعتمد في "سوريا الجديدة"، وكيف سيضمن للأقلِّيات الدِّينية والسِّياسيّة، مشاركتها في السُّلطة، أم تتحوّل إلى رعايا في "سوريا الجديدة"، بالرّغم من التَّنظيمات التي أعطاها الشَّرع إلى المكوِّنات الطائفيَّة في سوريا، بأنَّه سيحافظ على وجودها وممارساتها الدِّينية، ولم يبرز بعد ما هو عكس خطابه.
و"هيئة تحرير الشَّام" التي احتكرت السُّلطة، لها شركاء في المعارضةِ السُّوريةِ، وإن كان هو الأقوى فيها بدعم تركي، والتي وقعت سوريا تحت نفوذها، وهذا ما كان يعمل له الرَّئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يتحدَّث عن وحدة سوريا واستقرارها، لكنه يتطلَّع إلى حكم يكون "للإخوان المسلمين" السَّطوة، وهو ما كان طلبه من الرَّئيس السُّوريِّ السَّابق، في العام ٢٠٠٩، بأن تكون لـ "الإخوان المسلمين" مشاركة في السُّلطة وتسلُّم رئاسة الحكومة، لكن الأسد لم يستجب له، لأن ممارسات "الإخوان المسلمين" ضدَّ النِّظام كانت دمويّة، وسعوا مرَّات عدة إلى قلب النِّظام منذ سبعينات القرن الماضي، ولم ينجحوا، إلى أن جاء "الربيع العربي"، نهاية العام ٢٠١٠، وشجَّعت عليه الإدارة الأميركية برئاسة باراك أوباما، بأن يحكم "الإسلام السِّياسيّ"، وهذا ما حصل من تونس إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا.
ومنذ أن بدأت الأحداث في سوريا، انفتح نظامها على الحوار والإصلاح، وصياغة دستور جديد، تكون المشاركة فيه أوسع وبديمقراطية، فحضر مندوبون إلى دمشق، ومنهم المبعوث الأممي الأخضر الابراهيمي، وهو الذي كان يحضر إلى لبنان مبعوثًا عربيًّا لحلِّ أزمته، ورعى اتفاق الطائف الذي نظَّم العلاقة بين الطَّوائف والمذاهب، وكان الإبراهمي يسعى إلى "طائف سوري"، يكون الدستور الذي ينبثق عنه شبيهًا بالدستور اللُّبناني الذي تنصُّ مقدِّمته على "الديمقراطية التَّوافقيَّة وصيغة العيش المشترك"، كما طرح الأميركيون دستورًا فدراليًّا كما حصل في العراق بعد غزوهم له عام ٢٠٠٣، وابتدعه الموفد الأميركي رايان بريمر.
فالدستور الجديد لسوريا، هو سيحدِّد مستقبلها، فإمَّا أن تكون "إسلاميّة" أو مدنيّة وعلمانيّة، وهذا ما بدأه ناشطون من المجتمع المدني في ساحة العباسيين في دمشق، وطالبوا بدولة مدنيّة علمانيّة، ولم تتحرَّك السُّلطة الجديدة ضدَّها، بل تركتهم يعبِّرون عن رأيهم، لإظهار حسن نيَّة، وتقديم صورة جديدة عن ممارسة "هيئة تحرير الشَّام"، البعيدة عن "الأسلحة"، وهذا ما سيظهر في الأشهر الثلاثة المقبلة.
إنَّ "سورية الجديدة" أمام مخاض ولادتها، وما زالت الضَّبابيَّة تسيطر على المشهد السُّوري، وفق ما تؤكِّد المصادر المتابعة للوضع الجديد، والتي تكشف بأنَّ من سيصوغ النِّظام السِّياسيَّ أميركا التي حضر وفد منها برئاسة بربارة ليف، والتقت الشَّرع الموضوع على لائحة الإرهاب، لكن أميركا ترغب في أن تكون سوريا تحت وصايتها، وطرد الوجود الرّوسي منها بعد الإيراني.