رائد المصري - خاص الأفضل نيوز
أثَّرت التطورات المتسارعة الأخيرة في سوريا، على الكثير من المعطيات التي سيتشكل فيها المشهد السياسي في المنطقة ولبنان بالتحديد، بعد أن حملت أكثر من مؤشر، ليستطلع طبيعة المرحلة القادمة، بعد أن اختلطت أوراق كثيرة ضاعت فيها البوصلة الجديدة والرؤية المستقبلية لصيغة الحكم الجديد في دمشق، بالإضافة إلى التطور العسكري، الذي أدى إلى احتلال إسرائيل أراضٍ سورية جديدة، في محاولة لاستكشاف ردات الفعل الداخلية والخارجية، عبر ترتيب البيت السوري بما يتلاءم مع مصالح الكيان الصهيوني، بدعم غربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، التي ظهرت كلاعب أبرز خلال هذه الفترة، ليس فقط على الساحة السورية واللبنانية بقوة، بل على كل المسرح العربي برمته.
عملية سقوط النظام في دمشق، لا تزال تتصدَّر المشهدية في الإقليم، خصوصًا لما شاب من تشوُّه وتباين حول العلاقة بين دمشق وطهران ودمشق وموسكو، وبحسب معلومات حصلت عليها "الأفضل نيوز"، بأنه وفي ظلِّ الضبابيّة التي خلّفها في المشهد، يبدو الإقليم مفتوحاً على الكثير من السيناريوهات المتفاوتة والمتناقضة، بعد الدخول الإسرائيلي المشبوه وتوسُّعه بذريعة حماية الحدود، وهو ما سيكون له تأثيراته على المنطقة برمّتها، ولا سيَّما على دول جوار سوريا وأبرزها لبنان، الذي تفاعل سياسيوه بشكل كبير مع التطورات السورية، معتبرين أن سقوط النظام في سوريا، يعني اللبنانيين أكثر من السوريين أنفسهم، حيث باتت تطرح الأسئلة من التخوُّف والتوجُّس لما ستحمله المرحلة المستقبلية في سوريا، وانعكاسها على لبنان، خاصة أن حال التشظِّي السياسي والأمني وترتيب المشهد القادم المتعلق بالمقاومة ضد الاحتلال، وطبيعة تقدير وتوصيف الكيان الصهيوني، الذي ينحى البعض منحى سيناريوهات فتح المجالات والمسارات نحو تطبيع تدريجي، بموجب خريطة طريق تشكيل الشرق الأوسط الجديد، الخالي من عداءات مع الكيان.
ترتيب مسار الخيارات اللبنانية، في ظل الانقسام العامودي بين الأطراف السياسية المحسوبة على محور المقاومة، مقابل المهلِّلين والمصفقين لنتائج التطورات السورية من ناحية، وصيغة الكيان الصهيوني لمرحلة غزة ولبنان، والنتائج التي أفْضت إليها معركة طوفان الأقصى وإسناد غزة، هو ما سيصبُّ في مرحلة التغييرات والتبدُّلات على الساحة السياسية اللبنانية، بدءًا من انتخاب رئيس للجمهورية، وطبيعة برنامجه المستقبلي، واحتواء التداعيات على المستويين السياسي والأمني، وكذلك العلاقات الإقليمية والدولية، ويبقى الأخطر من كل ذلك، هو الدعم الغربي والأميركي للمؤسسات العسكرية، ليبقى المشهد رهناً بما ستؤول إليه كل هذه التطورات، ليُبنى على النتائج مقتضى المواقف.
أما بالعودة إلى الاستحقاق اللبناني الداهم لانتخاب الرئيس العتيد، كان جنبلاط الذي يراقب جيّداً بوصلة تطوّرات المنطقة، قد زار باريس، مستمعاً للإرادة الدولية، والداعمة لرئاسة قائد الجيش جوزف عون، بعدما اختبرت قيادته لمؤسّسة الجيش اللبناني، وهذا ليس الموقف الفرنسي فقط، بل هناك استشفاف من اللقاء بين الرئيس ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الرياض، والذي جرى فيه وبحسب معلومات حصل عليها "الأفضل نيوز" الإتفاق على مقاربة الملفّ اللبناني، في رئاسة الجمهورية، ورئاسة الحكومة كسلَّة كاملة، ومسار لنهضة البلد بدءاً من إعادة الإعمار، كما عُلِم أن الكتل النيابية السنِّية، مجمعة ومستمرة على رفضها أي رئيس لا يحظى بتوافق 86 صوتاً نيابياً، وباتت معظم أطيافها مستعدّة لدعم ترشيح قائد الجيش، لتنضمّ إلى الكتلة الدرزية في هذه الخطوة، ضمن محاولة لاستقطاب كلّ القوى ليكون قائد الجيش مرشّحاً توافقياً للجميع.
حرَّك جنبلاط مياه الرئاسة الراكدة، وخلط الأوراق من خلال رمْيه قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، فهو سمع صراحة من الفرنسيين بأنّ المناخ الدولي والأميركي، بإدارة ترامب الجديدة، غير راضٍ على مسار التشاور اللبناني في ما خصّ الرئاسة، بمنحاه الوسطي، ويريد الحسم، ولذلك كانت خطوة اللقاء الديمقراطي المفاجئة تأخذ أهمية مضاعفة، كون مبادرة جنبلاط، وطرحه بصورة واضحة وعلانية تأييده وصول العماد جوزف عون للرئاسة، جاء بطلب فرنسي، وهذا ما يكرّس الطابع الدولي، الذي بدأ بحركته على رقعة الشطرنج الرئاسية، فقرر الانخراط في الاستحقاق، اللقاءات الفرنسية وتبعاتها.
كسر اللقاء الديموقراطي النيابي لجنبلاط أسلوب النقاشات الفارغة، وأخْرج ترشيح قائد الجيش إلى حلبة السباق الرئاسي، واضعاً الأطراف السياسية الأخرى أمام المسؤوليات الوطنية، فتخلَّصت بعض الكتل النيابية من إحراجاتها ومن تردداتها، فيما قرأ فرنجية المرحلة بدقّة، بعد ما جرى في سوريا، وبعد ما أسفرت عنه الحرب في لبنان وغزة، وهو العارف بحكم علاقاته القوية خارجياً، للكثير من التفاصيل، ففضّل التريّث في اندفاعته الرئاسية، بانتظارِ جلاء الأمور في الداخل وفي الإقليم، مبْقياً على ثوابت تتعلَّق ببقائه في الساحة السياسية، لاعباً وازناً كما بقية اللاعبين وبروح جديدة وبرنامج واضح.
كما أعاد من خلال موقفه الأخير خلط أوراق الاستحقاق الرئاسي، رغم أن كتلة اللقاء الديموقراطي، كانت أعادت خلطها قبله بتأييد ترشيحها لقائد الجيش العماد جوزيف عون، وكما فعل وليد جنبلاط بوضع الكتل النيابية أمام ضرورة المبادرة إلى تسمية مرشحيها بدل تضييع الوقت والذهاب إلى العملية الانتخابية، وضع فرنجية كل القوى السياسية لا سيما المسيحية منها، أمام واقع جديد تمثّل بإعلانه الاستمرار بالترشح.
إذن لبنان أمام مؤشرات إيجابية، لكن لا يمكن القول أن الطريق سالكة وآمنة للوصول إلى قصر بعبدا بعد، لأن الثنائي أمل وحزب الله لم يُجهرا بموقفهما النهائي، من تأييد العماد جوزف عون، بالإضافة إلى أن هناك علامات لم تتظهَّر وتشجع على ذلك، من قبل تأييد وتشجيع أطراف مسيحية وازنة ومارونية بالتحديد، حيث ما زال التيار الوطني ورئيسه النائب جبران باسيل، على معارضته الشديدة لقائد الجيش ووصوله إلى بعبدا، وكذلك معارضة القوات الضمنية لوصوله، من خلال ما كشفه النائب جورج عدوان بقوله أن نجاح العماد عون في قيادة الجيش، لا يعني ضمان نجاحه في رئاسة الجمهورية أو في أي منصب آخر، فيما يبدو حتى الآن أن قائد الجيش، متقدم على المرشحين الآخرين بأشواط كبيرة، ويحظى بدعم أميركي صلب، وتشجيع عربي واسع، خاصة من الرياض والقاهرة.