مهدي عقيل - خاصّ الأفضل نيوز
على جاري عادته، الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، يُقدم في كل خطاب جانبًا فكريًّا وتحليليًّا، لكن في خطاب أمس أعطى السيد حيّزاً مهماً لجانب التحليل والنقاش في موقف اللبنانيين من المقاومة، ودعا إلى عدم تضييع الوقت مع هؤلاء في العالم الافتراضي، ونصح بـ"التطنيش"!
حسناً فعل السيد في قطع نزاع القوم بدعوته إلى عدم الدخول في نقاش مع القوى السياسية وأنصارها المناوئة للمقاومة، في موضوع مواجهة العدو وأحقيتها وجدواها، بحيث لا يمكن إقناع هؤلاء بأي شكل من الأشكال، ثمة غباش أو ستار على عيونهم، فلم يروا ما حصل في مسيرة المقاومة من ثمانينات القرن الماضي، منذ تحرير أجزاء كبيرة من لبنان، من ضمنها العاصمة بيروت، مروراً بتحرير الجنوب عام 2000، وصولاً إلى حرب تموز 2006 وما تلاها من هدوء نسبي في الجنوب نتيجة توازن الردع الذي فرضته المقاومة إلى عشية عملية "طوفان الأقصى".
لم يأتِ كلام السيد عن هذا الموضوع وغيره من المواضيع التي تناولها في الخطاب من فراغ، لكنّه انطلق بخطابه مما يحصل على مواقع التواصل الاجتماعي من نقاشات وخطابات منحطّة، وتناول شخصيات في المقاومة بطريقة لا تمتّ إلى الأخلاق بصلة، والتهكم على دور المقاومة، لا سيما على الجبهة الجنوبية.
بناء على هذا الخطاب، يمكن أن نتعرف على ما هو المطلوب من المؤيدين للمقاومة، سواء في نشاطهم الاجتماعي والسياسي في عالم الواقع أو في العالم الافتراضي:
1- عدم ترك المساحات على مواقع التواصل للجهات المناوئة للمقاومة، بل الحضور بقوة دون الدخول في نقاشات غير مجديّة، وتقديم خطاب بناء ومدروس. والدفاع عن رؤية وأهداف المقاومة بلغة راقية وحضارية وعدم النزول إلى مستويات متدنية يريدها الآخر لتقديم صورة مشوّهة عن جمهور المقاومة.
2- التسليم مسبقاً بأن النقاش مع البعض في لبنان لا جدوى منه سوى مضيعة للوقت، وأشار السيد إلى أهمية هذا الوقت في هذه الأيام، بحيث إننا سوف نُسأل أمام الله عمّا فعلنا لغزة، سواء بالقتال أو الكلمة أو الموقف، سوف يسأل كل واحد من موقعه والمركز الذي يشغله في هذه الدنيا، لكل تصرف عند الله جزاء. ولوحظ بأن السيد ركّز على موضوع الجواز وعدم الجواز من الناحية الدينية لأية تصرفات قد تصدر عنّا، والتي قد تضر قصداً أو عفواً بعمل المقاومة.
3- حذّر السيد من خطورة الهواتف المحمولة والكاميرات المربوطة بالأنترنت، واعتبرها عميل من الطراز الأول والأخطر، خصوصاً لرجال المقاومة ولعائلاتهم.
4- دعا السيد إلى عدم التحدث باسم أهل الجنوب، خصوصاً البعض الذي يدعي بأن قلبه عليهم، فهؤلاء هم أهل المقاومة، ومن يريد أن يعرف موقفهم، دعاه السيد إلى الاستماع لما تقوله أمهات الشهداء وزوجاتهم وأبناؤهم.
5- حذر السيد من تأجيج العامل المذهبي والطائفي من خلال خطابات منحطّة على مواقع التواصل.
لا شك ثمة جوانب استراتيجية في الخطاب فيما خص الجبهة الجنوبية، وأن المقاومة جاهزة إلى التصعيد وإلى توسعة نطاق الحرب إذا ما أراد العدو ذلك، وأن هذه الجبهة باقية طالما الحرب على غزة قائمة، لكنني ارتأيت النقاش في جانب من هذا الخطاب، كون قلّة مما يلتفتون إليه، بحيث أن معظم الكتّاب والمحللين والإعلام بصورة عامة يركّز على الجوانب الاستراتيجية.
ما قاله السيد في العالم الافتراضي كان ضرورة وفي محله، وكان ملاحظاً في الأسبوعين الماضيين اهتمام إذاعة النور وتلفزيون المنار بهذا الجانب، وتكثيف البرامج التي تُعنى بمواقع التواصل والانترنت، واستضافة مختصين في هذا المجال، وهذا دليل على أن جبهة "السوشيال ميديا" بعد عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أمست جزءاً رئيساً من جبهة الحرب، وهذا تطور كبير في رؤية ومسار المقاومة سواء في غزة أو عند كل جبهات الإسناد.