عماد مرمل -خاصّ الأفضل نيوز
كيف ستتعاطى الطبقة السياسية مع ملف النازحين السوريين بعدما أصبح عبئا ثقيلا جدا يفوق طاقة الدولة والشعب على التحمل؟
وهل تجمع مصيبة النزوح ما فرقته زواريب السياسة أم إن الحسابات الضيقة ستكون أقوى من متطلبات الأمن القومي اللبناني؟
طرحُ هذا النوع من التساؤلات فرضته الجلسة النيابية التي ستناقش ملف النزوح بناء على دعوة الرئيس نبيه بري الذي تجاوب مع مطالبة الرئيس نجيب ميقاتي بعقد تلك الجلسة، بعد الحملة العنيفة التي تعرض لها عقب إعلانه عن الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي على منح لبنان مبلغ مليار يورو.
وإذا كان ميقاتي قد افترض أن هذا المليار هو إنجاز سيُحسب له في بلد مفلس يُنقّب عن العملة الصعبة، فإن العكس هو الذي حصل، إذ انقلب السحر على الساحر وتحولت "النعمة" المفترضة "نقمة" عارمة على ميقاتي والأوروبيين، بعدما تم وضع المليار الأوروبي في إطار الرشوة المفضوحة لإبقاء النازحين في لبنان مقابل شراء الصمت الرسمي، ما استفز رئيس الحكومة الذي قرر أن يرمي القنبلة الموقوتة بين أيدي النواب، بدل أن يجري تفجيرها به لوحده.
ولكن، ما هو السيناريو الذي ينتظر قضية النازحين الآخذة في التفاقم وسط السلوك الدولي المتواطئ والتخبط الرسمي؟
وكيف سيتعامل مجلس النواب مع هذه القنبلة التي تدحرجت إلى داخل قاعته العامة؟
تعتبر أوساط على صلة بهذه القضية أن مجلس النواب يقف أمام اختبار مفصلي، "فإما أن يثبت أنه على قدر التحدي الوجودي الذي يهدد لبنان، ويقارب أزمة النازحين بمسؤولية مترفعا عن الانقسامات والأحقاد السياسية ومتجاوزا الشعبوية التي تحترفها بعض القوى الداخلية، وإما أن يضيع في أزقة المزايدات وينحدر في مداولاته إلى درك تصفية الحسابات على أنقاض المصلحة العليا."
وتُنبه الأوساط إلى أن "الأوروبيين يستغلون هذا التشظي في الساحة اللبنانية ويلعبون على أوتاره، بغية خدمة مصلحتهم المكشوفة والمتمثلة في تثبيت وجود النازحين السوريين على أرض لبنان ومنع تسربهم إلى الدول الأوروبية عبر الهجرة غير الشرعية.
وتعتبر الأوساط أنه وبمعزل عن لعبة التجاذب بين الموالاة والمعارضة- والتي هي مشروعة في الظروف الطبيعية- هناك حاجة ملحة، بفعل الوضع الاستثنائي الحالي الناتج عن تحديات النزوح، إلى إنتاج توافق وطني عام بين الحكومة ومعارضيها حول نمط التعامل مع هذا الخطر والخيارات الأفضل والأصح لمواجهته عوضا عن أن تكون لكل طرف مقاربته الخاصة، مشددة على أن المواجهة في هذه المرحلة لا يجب أن تكون بين اللبنانيين أنفسهم، بل بينهم مجتمعين من جهة وبين أي جهة دولية تمنع عودة النازحين بذرائع واهية من جهة أخرى.
وتشير الأوساط إلى أن ضرورة تسييل الإجماع المتحقق على اعتبار النزوح مشكلة وجودية إلى إجماع مماثل على طبيعة الحل المطلوب الذي يحمي هوية لبنان واستقراره، وضمن هذا السياق يجب التعاطي مع مسألة المليار يورو وتحديد الموقف النهائي منها.
وتشدد الأوساط على أن المعالجة الجدية لملف النازحين تتطلب تواصلا مباشرا على أعلى المستويات بين بيروت ودمشق لتفكيك المشكلة واحتوائها قدر الإمكان عبر التعاون الثنائي، بدل الاكتفاء بانتظار ما يرسمه لنا المجتمع الدولي، الأمر الذي يستدعي من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي شجاعة المبادرة شخصيًّا في اتجاه القيادة السورية، ومن بعض الجهات الحزبية الداخلية شجاعة اعتماد الواقعية السياسية بعيدا عن مواقفها العدائية المسبقة حيال دمشق.