د. أكرم حمدان - خاصّ الأفضل نيوز
أما وقد دخلت عملية طوفان الأقصى شهرها التاسع،ومع ثقتنا بأن النهاية ستكون لصالح القضية الفلسطينية والمشروع التحرري العربي الذي يستند إلى مبادئ وتجربة القائد الخالد جمال عبد الناصر،وخصوصاً قاعدة "ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة".
وبينما تُفتش قيادات الاحتلال ومعها الإدارة الأميركية عن انتصارات وهمية هنا وهناك،لا بد من التذكير بأن طوفان السابع من أكتوبر(تشرين الأول) عام 2023 قد غير وسيغير معالم العالم وأولوياته.
لقد أعاد طوفان الأقصى القضية الفلسطينية لتتصدر اهتمام العالم،ولتتقدم على حرب روسيا- أوكرانيا وعلى التناقض الصيني - الأميركي، وكل القضايا الإقليمية، وما اعتراف الدول الغربية بالدولة الفلسطينية وتحرك طلاب الجامعات الأميركية والغربية والتظاهرات المتواصلة في عواصم العالم،إلا دليل قاطع على هذا الاهتمام.
إن عملية طوفان الأقصى،أكدت عودة المقاومة الفلسطينية إلى الفعل المؤثر وأثبتت أن الحل والربط سيعود إلى الفلسطينيين بوجهتهم المقاومة وليس من خلال المراهنة على المفاوضات العقيمة،كما أن العدو ومن ورائه الأميركي مضطرون للتفاوض مع المقاوم الفلسطيني.
إن دعوة العدو الصهيوني إلى تهجير الفلسطينيين إلى سيناء والأردن،أكدت أن الأنظمة العربية التي سارعت إلى التطبيع مع العدو كانت هي أول المستهدفين في تهديد أمنها الوطني،كما أن مسارعة الدول الغربية لنجدة الكيان المحتل أثبتت أن لا فرق بين الصهيونية والاستعمار وأن كل دعواتهم وادعاءاتهم بالديموقراطية وحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها ليست سوى شعارات فارغة الهدف منها السيطرة على الوطن العربي.
إن طوفان الأقصى ونتائجها حتى الآن،أدخلت الهزيمة العميقة إلى نفوس الصهاينة، خصوصاً وأن هذه الحرب تحصل للمرة الأولى داخل الكيان كما تم تهجير مئات آلاف المستوطنين،وسط تهديد غالبية المدن الكبرى بالقصف الصاروخي الفعال من قبل فصائل المقاومة خارج فلسطين،ما جعل الصهاينة يبحثون عن شراء عقارات في اليونان وقبرص،وباتت مسألة التفكير بوجودهم الاحتلالي في فلسطين تُسيطر على تفكيرالنخبة عندهم.
رغم إمعانه في حرب الإبادة وارتكاب المزيد من الجازر،إلا أن حركة الرفض العالمية لممارساته والاهتمام بالقضية الفلسطينية التي غابت لأكثر من ثلاثة عقود عن مسرح الأحداث العالمية،أدت إلى وضع الكيان على اللائحة السوداء، أي لائحة الدول والمنظمات التي تقتل الأطفال مما يجعله في مصاف داعش بالنسبة للمواطن الغربي .
إن عملية طوفان الأقصى كبدت العدو خسائر بشرية كبيرة جدًا،إلى جانب الخسائر الاقتصادية الضخمة وهو ما لا يستطيع العدو تحمله إلى ما لانهاية،كما أدت إلى شروخ داخل القيادة السياسية والعسكرية الصهيونية.
إن التكهن بنهاية هذه الحرب في غير محله،سيما وأن المقاومة بمختلف فئاتها تُنوّع في أساليبها وتنهك العدو وتنزل به الخسائر،كما أن الجبهة اللبنانية مستمرة في المساندة بزخم مما يُربك العدو الذي يرغب بالانتقام ولكنه غير قادر.
إن مجريات الأشهرالماضية منذ بداية طوفان الأقصى،تؤشرإلى أن النظام العربي الرسمي بات في حالة إحراج شديدة،وسوف يتعرض لانعكاسات نتائج الطوفان،ما يقتضي العودة عاجلاً أم آجلاً للتواصل والتنسيق بين دول القاعدة مصر والسعودية وسوريا.
إن اعتراف أيرلندا وإسبانيا والنرويج وسلوفينيا وربما قريباً مالطا،رسميا بدولة فلسطين،هو مؤشر على بداية تفكك الموقف الأوروبي الداعم لإسرائيل،مع التذكير بأنه رغم استخدام الولايات المتحدة الفيتو في مجلس الأمن الدولي في 18 أبريل/نيسان 2024 لمنع صدور قرار يمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، فإن الجمعية العامة اعتمدت في 10 مايو/أيار قرارًا بأحقية فلسطين لهذه العضوية في الأمم المتحدة وصوتت لصالحه 143 دولة وامتنعت 25 عن التصويت.
وهذا يعني أنه خلال فترة قصيرة ستكون أكثرمن 13 دولة أوروبية قد اعترفت بالدولة الفلسطينية من أصل 27 دولة يضمها الاتحاد الأوروبي، وهذا بحد ذاته مكسب مهم لفلسطين وللقضية الفلسطينية، حيث يبلغ الآن العدد الإجمالي للدول التي تعترف بفلسطين 146 دولة من أصل 193 دولة عضوة في الأمم المتحدة.
وهذا يعني أن علاقات إسرائيل مع الجانب الأوروبي ستذهب إلى أزمات متتالية، خصوصا مع استعداد حكومة الاحتلال لاتخاذ إجراءات دبلوماسية ضد الدول المعترفة.
لقد نجح طوفان الأقصى بكل ذلك حتى الآن لأنه عبر عن تصميم الفلسطيني على التمسك بحقوقه وكشف أمام العالم بشاعة ما يقوم به الاحتلال.
إن شلال الدماء الذي يروي تراب غزة وفلسطين،يؤكد قول القائد جمال عبد الناصر "القادرون على دفع ضريبة الدم هم وحدهم يستحقون شرف الحياة".