د. علي دربج - خاصّ الأفضل نيوز
حسنا، فلنددق بالتطورات الأخيرة التالية: رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يحلّ مجلس الحرب المكون من ستة أعضاء. سبق ذلك قبل أسبوع، انسحاب الوزيرين، بيني غانتس وحليفه غادي آيزنكوت من الحكومة الفاشية. ثم وصول مستشار الرئيس الأمريكي، آموس هوكستين إلى تل أبيب لاحقا، وعقده اجتماعات مع كبار المسؤولين لتجنب مزيد من التصعيد على الجبهة الشمالية مع حزب الله كون خطره بات تهديدا ومعضلة واستراتيجية وجودية تقضّ مضاجع الكيان الغاصب وقيادته، العاجزة عن التعامل مع قوة الحزب، أو تلافي كابوس صواريخه التي تلاحق جنوده في كل مكان.
وفيما يبدو الهدف ظاهريًّا من وراء خطوة نتنياهو التي قادته إلى استبعاد الوزراء اليمينيين المتطرفين في ائتلافه الحاكم لكسب الدعم الشعبي للمجهود الحربي بحسب مسؤولين إسرائيليين، تحدثوا لصحيفة الواشنطن بوست بشرط عدم الكشف عن هويتهم، إلا إنه، وعند النظر في هذا المشهد الفوضوي والمضطرب والمستجد داخل إسرائيل، نجد أن ثمة شيئا ما يطبخ في الخفاء (ربما بطلب أمريكي)، خصوصا وأن المعطيات، تشير إلى أن نتنياهو سيعقد حلقات أصغر حجما للتداول بالمسائل الحساسة.
وماذا عن بديل مجلس الحرب؟
في الحقيقة، من المتوقع، أن تضم " الحلقة الحربية الصغرى المقبلة" لنتنياهو ، كل من: وزير الدفاع يوآف غالانت، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، ورئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي ورئيس حزب "شاس" الحريدي، أرييه درعي، بالإضافة إلى ممثلين عن المؤسسة العسكرية. في حين أن الأمور العامة، سيواصل رئيس الحكومة النقاش فيها مع مجلس الوزراء الأمني الأوسع.
ما هو هدف نتنياهو من استبعاد الوزراء اليمينيين؟
منذ اندلاع الحرب الدموية على غزة، لطالما رفض نتنياهو عدة محاولات من قبل الأعضاء المتطرفين في ائتلافه، بما في ذلك وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريش، للانضمام إلى المناقشات المتعلقة بالقرارات العسكرية، وفقا لتقارير وسائل الإعلام الإسرائيلية. فعلى مدى حوالي التسعة أشهر الماضية، مارس كل من بن غفير وسموتريتش ضغوطا دائمة على نتنياهو لمعارضة خطة وقف إطلاق النار التي من شأنها أن تنطوي على إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين الـ 120 المتبقين في الأسر، والذين يعتقد أن العشرات منهم ما زالوا على قيد الحياة.
أكثر من ذلك، كان غفير وسموتريتش ، يلحّون على نتنياهو باستمرار، ليفي بوعده الأصلي بتحقيق "النصر الكامل" ضد حماس، فضلا عن تحريضهم الذي لا يتوقف، لإعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة – وهي خطوة سياسية يعارضها قادة الاحتلال بشدة.
وتبعا لذلك ، غرد بن غفير الإثنين الفائت، أن قرار نتنياهو بتنفيذ فترات وقف يومي للقتال بغزة، للسماح بعبور شاحنات المساعدات إلى القطاع، وربما تمهيد الطريق لإنهاء الحرب، لم يتم عرضه على مجلس الوزراء الأمني، وقرره شخص "غبي وجاهل، ويجب عدم السماح له بالاستمرار في منصبه.
الجدير بالذكر أن نفوذ بن غفير وسموتريتش، حتى من خارج حكومة الحرب، يعدّ جزئيا السبب في استقالة عضوي حكومة الحرب بيني غانتس وغادي آيزنكوت اللذين قالا إنهما انضما إلى الحكومة لضمان إدارة الحرب بمسؤولية، لكنهما خلصا منذ ذلك الحين إلى أنهما لا يستطيعان العمل مع نتنياهو طالما أنه يرفض الالتزام باستراتيجية اليوم التالي لغزة.
ليس هذا فسحب، فانسحابهما من الحكومة، جاء بعد أن أدلى عدد من القادة العسكريين بتصريحات علنية نادرة عبروا فيها عن شكاواهم من طريقة تعامل نتنياهو مع الحرب في غزة، حيث قال الكثيرون إن إسرائيل لا تستطيع تحمل استمرارها إلى ما لا نهاية، لاسيما مع تصاعد التوترات على الحدود اللبنانية.
وما هو تأثير ضربات حزب الله على المستوطنات الشمالية المحاذية للبنان؟
في الواقع، تحولت المستوطنات الجبلية والوديان الممتدة على طول الحدود الفلسطينية مع لبنان، إلى ساحة حرب حقيقة، باعتراف القيادات السياسية والعسكرية في تل أبيب.
فدوي الصواريخ الموجهة، والطائرات بدون طيار التي يفشل جيش الاحتلال باعتراضها في الأجواء بانتظام، يهزّ المنطقة ويبث الرعب والخوف والهلع في صفوف الجنود الصهاينة وقلة قليلة من المستوطنين الذين لم يغادروا منازلهم. فوتيرة ضربات حزب الله تتزايد من يومية إلى كل ساعة تقريبًا، على ذمة المسؤولين المحليين والجنود الذين بقوا في المنطقة.
وتعقيبا على ذلك قال نائب قائد فرقة جيش الاحتلال (يدعى ليرون -وهو اسم وهمي لأنه غير مخول التحدث للإعلام)- "إن الأمر يصبح أكثر تواتراً وأكثر كثافة كل أسبوع فضباب الحرب ينمو من حولنا".
وأضاف أن معظم مقاتليه قد جاؤوا شمالا بعد نشرهم داخل غزة، وهم الآن جزء من القوة الإسرائيلية المتنامية التي تصطف على الحدود.
لعدة أشهر، اعتمد حزب الله في الغالب على الطائرات بدون طيار والصواريخ المضادة للدبابات ضد أهداف قريبة من الحدود. لكن في نيسان/أبريل الماضي، نشر الحزب صواريخ الماس 3 (لبنانية ــ إيرانية الصنع)، مزودة بكاميرات تلتقط صورا للهدف العسكري في الوقت الحقيقي، ليتم بعد ذلك تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي.
علاوة على ذلك، يقرّ المسؤولون الصهاينة، أن أسلحة حزب الله، تخترق على نحو متزايد أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية المتطورة، وتصل إلى الأماكن التي لجأ إليها الجنود الصهاينة للاحتماء.
من هنا، أكد يوشاي وولفين، مدير مستوطنة المنارة (المتاخمة للسياج الحدودي مع لبنان)، التي تضم حوالي 280 مستوطنا: "مازلنا نسمع صفارات الإنذار والقنابل". وقال "مجتمعنا منتشر في جميع أنحاء البلاد. من الصعب ألا تشعر بالإحباط. لا أحد يتحدث معنا عن المستقبل وماذا سيحدث"،
هذا، ويقيم ثلث سكان المستوطنة في فنادق في الشمال (استنادا إلى وسائل إعلام إسرائيلية)، لكن الباقي انتقل إلى أماكن أبعد. وفيما قامت بعض العائلات بتغيير مدارسها خمس مرات منذ أكتوبر/تشرين الأول، تتضاءل آمالهم في العودة إلى المنارة قبل بدء العام الدراسي المقبل في سبتمبر/أيلول، خصوصا بعد تضرر أكثر من 70 % من المنازل هناك.
صواريخ حزب الله تشلّ حركة طائرات الإطفاء شمال فلسطين؟
عمليا، تؤدي الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار لـ حزب الله بشكل روتيني إلى إشعال النيران في المناطق الشمالية لفلسطين، الأمر الذي يتسبب بإرباك أقسام الإطفاء التي استنفدت بالفعل من الموظفين.
فالتهديد الذي تشكله صواريخ أرض-جو (للمقاومة الإسلامية) أجبر طائرات الإطفاء الإسرائيلية على إيقاف طلعاتها للمساعدة في جهود الإطفاء في المستوطنات، مما ترك الفرق الأرضية تكافح الحرائق بمفردها، وغالباً ما تتساقط الصواريخ حولها. ولهذا، قال الرقيب ديفيد روزنبرغ للواشنطن بوست (وهو جزء من قوة مشتركة من رجال الإطفاء المحليين والعسكريين الذين أمضوا أكثر من يومين في الأسبوعين الماضيين في احتواء الحرائق حول كريات شمونة التي تقع على تلة تم إخلاؤها ويبلغ عدد سكانها 22,000 نسمة ) "عندما يكون هناك طفرة، ما عليك سوى الاستلقاء على الأرض وتأمل الأفضل".
في المحصلة، إن حجم الوجع والألم الذي ينزله حزب الله بإسرائيل، دفع بالوزير بيني غانتس إلى القول إن "النصر الحقيقي" لإسرائيل يعني إعادة سكان الشمال إلى ديارهم بأمان، هذا من جهة.
أما جهة ثانية، فإن كلام قائد الفرقة العسكرية في الشمال (ليرون) أعلاه حول اضطرار إسرائيل إلى سحب جنودها من غزة، وإرسالهم إلى المنطقة الشمالية، لهو دليل حاسم وقاطع وجازم على أن الجبهة الجنوبية بدماء شهدائها الأبرار، وصمود أهل القرى والبلدات والمدن بالجنوب الذين دمرت منازلهم وأرزاقهم، كلها تضحيات ساهمت بتخفيف القوة النارية الإسرائيلية عن غزة وأهلها، والتي لو بقيت هناك، لتمت فعلا إبادة سكان القطاع عن بكرة إبيهم كليا....