عبدالله قمح - خاصّ الأفضل نيوز
في الأساس، لم يكن مبعوث الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة عاموس هوكشتين يضع على جدول أعماله زيارة جديدة إلى لبنان طالما أنه فهم فيما سبق من زيارات ألا أفق لأي حل جدي لموضوع الجبهة المفتوحة في الجنوب مع العدو الإسرائيلي قبل إيجاد حل يقضي بوقف شامل لإطلاق النار في قطاع غزة.
قبل ذلك لا بد من الإشارة إلى كون الحراك المستجد لهوكشتين، لم يختلف في مضمونه عما قدمه في زيارته السابقة إلى بيروت خلال شهر آذار الماضي. أما الجديد الذي يمكن تسجيله، أن هوكشتين أعلن، كما نقل عنه عبر مؤسسات إعلامية أجنبية، أن مساعي التوصل إلى حل لما يسميها "جبهة الحدود اللبنانية – الإسرائيلية" قد باءت بالفشل، وهو الإعلان الأميركي الأول من نوعه الذي يصدر عن هوكشتين بصفته مبعوثاً مكلفاً إيجاد حل. أما نتائج هذا الإعلان ومردوده على الجبهة، فيمكن ملاحظته خلال الأيام المقبلة، سواء من ناحية كيفية التعاطي الأميركي مع الإعلان أو التعاطي الإسرائيلي، مع الإشارة إلى كون الخلافات العاصفة بين الإدارتين الأميركية والإسرائيلية، تحديداً بين جو بايدن وبنيامين نتنياهو، لها الأثر الكبير على النتائج الحالية.
عملياً، ما ألزمَ هوكشتين بالعودة إلى المنطقة مجموعة نقاط سوف نتاول كل نقطة على حدى.
1- بدا واضحاً خلال الفترة الماضية، لاسيما الفترة التي أعقبت قيام إسرائيل باغتيال القيادي في المقاومة طالب عبدالله (أبو طالب)، أن الجبهة تنزلق إلى مواجهة عسكرية أكثر عنفاً قد ترتب تموضعاً عسكرياً وقتالياً مختلفاً. وبدا واضحاً أن تقدير الموقف بالنسبة إلى الأميركيين، ذهب باتجاه رغبة حزب الله بتوسيع نطاق القصف رداً على الاغتيال، وهو ما تمت ملاحظته على الأرض فعلاً، وهذا وإنما قد يستدرج ردود فعل من جانب إسرائيل تؤدي إلى تمدد رقعة القصف، وبالتالي ارتفاع احتمالات انزلاق الجبهة إلى مستويات مواجهة مختلفة لناحية الشق الجغرافي منها عما تم إرساؤه منذ 8 تشرين الأول الماضي. وتبعاً للرغبة الأميركية في الحد من الانزلاق، وبالتالي محاولة إلزام إسرائيل بخطوط الجبهة المفروضة لغاية اللحظة وعدم السماح للأخيرة بتوسيع نطاق القصف، تقرر من جانب أرفع الجهات المسؤولة الأميركية الإفادة إلى البيت الأبيض إرسال موفده عاموس هوكشتين على وجهة السرعة إلى المنطقة.
2- هدف هوكشتين إلى إعادة حصر الجبهة بما سبق أن تم إرساؤه، أي أن تبقى محصورة ضمن المساحة الجغرافية التي سجلت منذ 8 تشرين الأول، إضافة إلى محاولة تأمين مزيداً من الحصر الإضافي للجبهة، والإبقاء على الوضع الحالي للمعركة. وقبل أن يرغب هوكشتين في أن تبقى حدود الجبهة ملازمة للحدود.
3- رغب عاموس هوكشتين في محاولة تأمين هدنة في لبنان تأتي بشكلٍ منعزل عن تلك المطلوبة في غزة. ومن الواضح أنه عمل مع المسؤولين اللبنانيين على هذه الفكرة، لكنه أبلغ مرة جديدة أن أي وقف لإطلاق النار في جنوب لبنان لا بد أن يأتي مرتبطاً وبشكلٍ متزامن مع وقف مماثل لإطلاق النار في غزة. وخلافاً لما تم إدعاؤه حول أن هوكشتين طرح في بيروت مواضيع تتصل بحضور ومستوى حضور حزب الله ضمن الجبهة وإلى أي مدى سيبقى متواجداً عند الحدود والمساحة الجغرافية "المسموح بها"، بدا هوكشتين ميالاً أكثر صوب مواضيع لها علاقة بخفض مستوى الجبهة، ومحاولة تقليصها إلى أضيق مساحة ممكنة.
4- فهم أن هوكشتين يرمي، كأحد أهداف زيارته، في تأمين مواد تنفع في حملة جو بايدن الانتخابية، وهو بالتالي يعمل على خفض التصعيد على الجبهة اللبنانية – الفلسطينية وتأمين وقف لإطلاق النار في غزة ينعكس على الجبهة اللبنانية، كمحاولة من جانبه لتأمين ورقة مفيدة لحملة بايدن. ولا بد من الإشارة إلى أن هوكشتين عمل في الولايات المتحدة الأميركية على مستوى الجالية اللبنانية المتحدرة من جنوب لبنان تحديدًا، وقد عقد مع أفرادها والمسؤولين عنها أكثر من اجتماع، كان العنوان العريض فيها كيفية تأمين الدعم إلى بايدن. وكانت مسألة جنوب لبنان في صلب المناقشات.
من جهة أخرى لا بد من الوصول إلى خلاصة مفادها أن بنيامين نتنياهو ليس في وارد منح جو بايدن أية أوراق، وهذا ينطبق على حراك هوكشتين، ولو أن الإدارة الإسرائيلية تعتبر أن هذا الشخص تحديداً، بصرف النظر عن وظيفته الذي يأتي تحت عنوانها زائراً إلى المنطقة، جدير بالثقة، وإن في استطاعة الإسرائيليين المونة عليه في كثير من الشؤون الذين يريدون طرحها على لبنان، مع الإشارة إلى أن هؤلاء ما غادروا شرطهم الأساسي في ضرورة إبعاد حزب الله عند الحدود، وهي القضية التي عاد هوكشتين لأجلها إلى تل أبيب، مبلغاً نتنياهو ألا مجال لتحقيق هذا الطلب، مع ما أشار إليه الإعلام الإسرائيلي من أن الموفد الأميركي حاول إقناع نتنياهو بخفض منسوب الجبهة شمالاً، وإتاحة المزيد من الفرص أمامه للاستمرار في مساعيه.