عماد مرمل - خاصّ الأفضل نيوز
منذ بداية معركة إسناد قطاع غزة من جبهة الجنوب، يتداول اللبنانيون على مختلف انتماءاتهم وتلاوينهم السؤال الآتي: "في حرب"؟
ولكن الإلحاح على هذا السؤال اليومي ازداد في الفترة الأخيرة بشكل لافت مع تصاعد المؤشرات حول احتمال تدحرج القتال على الجبهة الجنوبية إلى مواجهة شاملة بين حزب الله والعدو الإسرائيلي.
والمفارقة، إن أحدا لا يملك جوابا قاطعا، وحتى أصحاب القرار لا يستطيعون في هذه اللحظة الجزم بما إذا كانت الحرب الواسعة ستقع أم لا، ذلك أن مجموعة من العوامل المركّبة والمتداخلة تؤثر على المسار الذي يمكن أن تتخذه الأمور في المرحلة المقبلة، وليس هناك من طرف يستحوذ لوحده على تلك العوامل أو يتحكم بها.
من حيث المبدأ، لا المقاومة ولا الاحتلال يريدان الذهاب إلى حرب كبرى، كلٌّ لأسبابه، ولكن الطرفين يستعدان لها كما لو أنها واقعة حتما.
وأخطر ما في الواقع السائد، هو أن الانزلاق أو التدحرج إلى مواجهة شاملة يمكن أن يحصل من دون قرار سياسي مسبق، وإنما بفعل تطور ميداني غير محسوب، خصوصا أن البيئة العامة تختزن بذور الانفجار الكبير ومهيأة للتفاعل مع أي حدث دراماتيكي قد يخلط الأوراق.
لكن وبمعزل عن سيناريو الانزلاق اللاإرادي إلى المعركة الكبرى، هل يمكن أن يبادر العدو عن سابق تصور وتصميم، إلى شن عدوان واسع على لبنان؟
من الواضح أن الاحتلال، وعلى الرغم من كل تهديداته، لا يزال يتهيب خوض هذه المغامرة العسكرية لأنه يعرف في قرارة نفسه، ومهما تكبر وكابر في العلن، بأن كلفتها عليه ستكون باهظة جدا، ولأنه يدرك بأن الغطاء الأميركي الإلزامي غير متوافر أو أقله غير مكتمل حتى الآن.
واللافت، أن التلويح بالانفجار الكبير يترافق مع تصعيد غير مسبوق في الحرب النفسية، بأشكال متنوعة، حيث روّجت القناة الثانية عشرة الإسرائيلية بأن الحكومة الكندية أطلقت إجراءات طوارئ عسكرية لإجلاء خمسة وأربعين ألفًا من دبلوماسييها ورعاياها في لبنان، فيما نفت السفارة الكندية هذا الأمر موضحة أنها أجرت تقييمًا روتينيًّا يتعلق برعاياها وليس هناك من طلب مستجد على هذا الصعيد.
كذلك ثبت أن لا صحة بتاتا لما تم تداوله من أن دولا أوروبية سحبت سفراءها من لبنان، ما دفع وزبر الإعلام زياد مكاري إلى إصدار بيان وضع فيه هذا النبأ الكاذب في إطار الحرب النفسية التي يلجأ إليها العدو الإسرائيلي ويغذّيها بمختلف الوسائل داعيا إلى التحقق من مصادر الأخبار قبل نقلها وبثها. وضمن السياق نفسه نفت وكالة رويترز أن تكون قد نشرت أي تقرير يفيد بأن إسرائيل ستهاجم لبنان خلال 48 ساعة كما ورد على بعض مواقع التواصل الاجتماعي.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ شاركت صحيفة التلغراف البريطانية في حملة تحوير الحقائق والتحريض الرخيص عبر زعمها بأن حزب الله يخزن صواريخ ومتفجرات في مطار رفيق الحريري الدولي، وكأنها تبرر بذلك أي استهداف يمكن أن يتعرض له المطار الذي كان العدو قد لفّق روايات بوليسية في شأنه من قبل، سرعان ما ثبت عدم صحتها.
ومن الواضح أن هناك ضغوطا مبرمجة يتعرض لها لبنان لتخويفه ودفعه إلى أن يعطي بالسياسة ما عجز العدو الإسرائيلي عن أخذه في الميدان.
على الضفة الأخرى، يواصل حزب الله بدوره حربه النفسية ضد الكيان الإسرائيلي، مع فارق جوهري وهو أنها تستند إلى حقائق وليس أكاذيب.
وفي هذا الإطار، أتى نشر الشريط المصور الثاني الذي وجهه الحزب إلى "من يهمه الأمر" متضمنا إحداثيات لمواقع حيوية واستراتيجية في قلب الكيان، علما أن الحزب تعمد أن يغلف هذا الشريط بمسحة من الغموض المدروس حتى يزيد من وطأة وقعه وتأثيره على قيادة العدو ومستوطنيه.
ويندرج هذا الفيديو الذي يستكمل ما بدأه الهدهد في سياق إيصال الرسائل الردعية المتلاحقة إلى الاحتلال لحماية لبنان من أي عدوان واسع، مع العلم أن المقاومة أثبتت عبر بنك الأهداف الذي نشرته أنها على أتم الجهوزية للحرب إذا حصلت، ولا تخشاها.
بناء عليه، هناك من يتساءل: هل الحرب النفسية المتصاعدة هي بديل أم تمهيد للحرب الحقيقية؟ غالب الظن أن الفرضية الأولى هي الأصح وإن يكن يجب إبقاء كل الاحتمالات واردة مع عدو معروف بطبيعته العدوانية المتأصلة والتي قد تدفعه إلى ارتكاب خطأ في الحسابات.

alafdal-news
