مفيد سرحال - خاصّ الأفضل نيوز
ما نشرته الديلي تلغراف البريطانية من مزاعم وتخرصات حول قيام حزب الله بتخزين أسلحة في مطار بيروت لا يمكن ترجمة مضمونه إلا في سياق الحرب المفتوحة على لبنان مقاومة واقتصادا وموقعا جغرافيًّا متميزا على شاطئ المتوسط ودورا طليعيًّا في جبه وصد المشاريع الصهيو استعمارية وفي مقدمها التقسيم وتوطين الأخوة من الفلسطينيين والسوريين وشطب حزب الله من معادلة الصراع القومي في الإقليم والمشهد السياسي اللبناني سواء بسواء.
والحال، فإن خبر التلغراف بمضمونه وتوقيته قفشة استخبارية سمجة مكررة وأسلوب معتمد متجدد على غرار الفبركات المعهودة في دوائر الغرب الجماعي لإباحة عدوان أو فرض حصار أو تشويه صورة لإخضاع الدول واستتباعها.
والشواهد كثيرة في عالم حكمه الغرب الجماعي عقب انهيار الاتحاد السوفييتي بـ(كذبة ،حرب استباقية، إرهاب، التلويح بالحرب للتدجين، احتلال بالاقتصاد ،أي روما جديدة من هم داخل أسوارها أخيار ومن هم خارجها أشرار ).
لذا خبر التلغراف ليس سوى كعكة مسمومة من معجن مكتب الاستخبارات الخارجية للمملكة المتحدة ام آي 6 وال M16 لامتصاص آثار الصفعة التي وجهها السيد حسن نصرالله للانجليزي في عقر دار القبارصة كاشفا رأس جبل الجليد للدور البريطاني الخبيث والخطر باستهداف المقاومة في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق بوساطة متقنة هائلة وجهوزية وضخامة الجهد الاستعلامي للقاعدتين البريطانيتين في الجزيرة القبرصية التي تستثمر موقعها وطبيعتها ليس فقط كمجال سياحي استجمامي ترفيهي إنما كمجال حيوي عسكري استخباري على درجة عالية من الحساسية نظرا لحجم السياحة والسيادة الأمنية والعسكرية الأميركية البريطانية والإسرائيلية بشقيها العسكري والأمني حيث أكبر محطة للموساد في المنطقة .
وإذا كان العرب في غابر الزمن قالوا على سجيتهم في زمن الحمام الزاجل نكاد نسمع صياح الديكة في قبرص فالحال على نحو معكوس اليوم يشي بمخاطر جمة حيث من قبرص يتنصتون ويشوشون ويراقبون ويرصدون ويحصون الأنفاس والأوجه بالذكاء الاصطناعي ويستهدفون من خلال بنك معلومات كل دابة على وجه الأرض في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق بحيث تلعب القاعدتان البريطانيتان في مجال الاستعلام والاستطلاع والاستهداف والاغتيال أخطارا وأدوارا مضاعفة بعشرات المرات لقاعدة ميرون الجوية التي أعطبتها المقاومة وخفضت من إنتاجيتها وفاعليتها بنسبة 60 بالمئة من خلال طاحونة بركان وشفق والماس .
وبعد ...الإنكليز وما أدراك ما الإنكليز وصفهم أمير البيان في الشرق الأمير شكيب أرسلان قبل قرن ويزيد بـ (السوسة التي تنخر في عظام العرب والمسلمين ) . إنهم المختبر وصُنَّاع السياسات وقادة الخطط والبرامج والعقل الذي يدير العالم أما خبرتهم في شعوب المنطقة والعالم فلا يحدها حد من زمن الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وتكاد تكون الأعمق والأعرف في جينات وأعطاب تلك الشعوب ومكامن قوتها وطرق شرذمتها وسبل إخضاعها وطرائق نهب ثرواتها، إنهم أساتذة الأميركيين وأوروبا الهرمة والأب البلفوري الشرعي للكيان الصهيوني الغاصب الذي ظاهرا وبلعبة الأدوار والأضواء تقوده أميركا أما الأب الحقيقي فمهامه الأبوية أكثر حميمية واحتضانا ورعاية خلف ستار أميركا.
البريطانيون في بلادنا لهم باع طويل في عالم الاستخبارات ويكفي أن نتذكر في العشرينيات من القرن الماضي الكولونيل البريطاني توماس أدوارد الملقب بلورنس العرب وأحد أبرز رجال الاستخبارات البريطانية في الشرق والذي عمل ضمن شبكة تجسسية لها أهميتها في المنطقة بقيادة الدكتور المتخصص بعلم الآثار وهو ((ديفيد جورج هوغارث)) وكذلك (ليونارد وولي)) وما حاكه هؤولاء من مؤامرات مزقت نسيج وحدود المنطقة إلى حد التذرر على قواعد إثنية وطائفية ومذهبية ووعود للعرب خلبية كاذبة بالتحرر من نير العثمانيين.
لم يتغير شيء في بلادنا ولا نغالي إذا أشرنا لخطورة الدور البريطاني المتلطي خلف الأميركي في لعبة متقنة فحيث يغيب الأميركي لحساسية الزمان والمكان فإن البريطاني حاضر في الخفاء وعلانية دون أن يثير الريبة ويتحرك بأريحية في الظل دونما ضجيج. والبريطاني في الواجهة أخف وطأة من الأميركي لكنه أدهى وأخطر وأكثر فاعلية لاندماجه بسلاسة ووقع حركته وضرب أقدامه أقل وأخف صخبا .
على سبيل المثال لقد أنشأ البريطانيون ما يزيد عن 70 برجا للمراقبة على الحدود اللبنانية السورية وبقي الأمر حدثا عاديا إلى أن أثارت الخارجية السورية الأمر من خلال رسالة للحكومة اللبنانية أشارت فيها إلى أن الحكومة السورية تنظر بعين القلق والريبة لهذه الأبراج التي تضر بالأمن القومي لسوريا وراهنا تتم معالجة هذا الشأن الأمني بامتياز بين البلدين الشقيقين .
وفي السياق فإن أجهزة أمنية لبنانية و إقليمية تابعت حركة محمومة للاستخبارات البريطانية في منطقة البقاع على مدى سنوات ولا زالت مستمرة حتى اليوم بغرض الاستقصاء والاستعلام عن المسارب الحدودية والمعابر وكيفية انتقال الأشخاص وآليات شحن السلاح للمقاومة ونشاط الحرس الثوري الإيراني (تلك الشماعة -الكذبة -التي لم يلحظ بقاعي على أكثر من مستوى شخصا أو أكثر يتكلم اللغة الفارسية) وأماكن تخزين السلاح وسبر اجتماعي اقتصادي أمني لبيئة المقاومة من خلال أنشطة الجمعيات الأجنبية غير الحكومية فالضباط البريطانيون يتلبسون جنسيات مختلفة ويدخلون لبنان تحت عناوين إغاثية تنموية أو تلك التي تعنى بالإخوة النازحين السوريين في خطة تتكامل مع التقنيات الحديثة عبر دمجها بالعنصر البشري والارتكاز على تشغيل وتأطير وتحريك مجندين للحصول على داتا محددة وفي مجال محدد وكل هذا الجمع المعلوماتي يصب في الغرف السوداء المشتركة ويجري تسييلها لصالح العدو الصهيوني للتنفيذ أو بالحد الأدنى الأخذ بناصية الأشياء والبناء عليها ومراكمة المعطيات وتدعيمها والاستثمار بناتجها .
إن رمية التلغراف طلقة غرضها اختراق أكثر من هدف وغلاف لأكثر من رسالة، أولا: التشويش على المقاومة التي حصرت بحكمة وحزم واقتدار المعارك ومسرح الاشتباك بمساحة 500 كلم مربع في جنوب لبنان والإمساك بقدرة الردع للحؤول دون إلحاق الضرر بالداخل اللبناني على المستويات كافة.
ثانيا:تأليب الرأي العام اللبناني على أبواب الصيف ضد المقاومة عبر همروجة إعلامية منظمة وتلغرافية الهوى للقول إن الجهد المقاوم عطل عودة المغتربين وحرم لبنان من نشاط مالي اقتصادي سياحي.
ثالثا: الرد على الهدهد بالتلغراف بأن مطار بيروت هدف حيوي استراتيجي للعدو الصهيوني كتلك التي استعرضها الهدهد والتسجيل الملحق فتستكمل إسرائيل حلقة تدمير المطار كمرفق حيوي بعد تدمير مرفأ بيروت وبالتالي تدمير خاصية لبنان على شاطئ المتوسط ومرتكز اقتصاده ودوره في المنطقة سيما وأن مرفأ حيفا كان تاج ناتج الهدهد وتظهيره يعني اقتلاعه بالمفهوم العسكري .
رابعا:إن رسالة سيد المقاومة لقبرص فهمها وابتلعها "البريطائيلي" الذي ذاق مرارتها لفهم محور المقاومة العميق في صراعه مع المشروع الصهيوني الذي فقد أهليته ووظيفته بعد طوفان الأقصى الإعجازي لكل ما يحيط بالكيان من وسائط حماية ورعاية وتدعيم ويتولى الغرب الجماعي تقوية أرجل الكيان الطينية بالمنشطات المعنوية والتعبوية والعسكرية إلى أقصى الحدود فرد "البريطائيلي" برسالة مشفرة لكنها باهتة ركيكة ساذجة لن تغير معادلات الردع ولن تصنع إنجازا ولن تجدي نفعا ورشة تصنيع الكذب الإعلامي والتلفيق في تبديل الصورة لدى الرأي العام اللبناني والعربي كما لن تغير في حركة الميدان .
كلما مر في الخاطر طيف الإنكليز الماكرين كلمات تراءت لنا الاستعلائية الغربية بأقبح وجوهها الاستعمارية :القهر والظلم والاستغلال والسيطرة الاستعبادية والفقر والتخلف المفروض بقوة الحديد والنار والتجزئة باستمرارية تفتيت الوحدة العربية وإباحة القتل والقمع والتدمير للدولة العبرية المارقة ...بناء عليه التلغراف المقاوم خط رسالته ورد على تلغرافهم بنعي كيانهم المسخ من خلال صمود غزة وشعبها ومقاومتها وجبهات الاسناد الاستنزافية الناجعة وتآكل قدرات الجيش الصهيوني المتهالك ردعيا وتنظيميا وتصدع جبهة العدو الداخلية وتفجر الصراعات البينية على المستويين السياسي والعسكري والديني وضمور الاقتصاد ومراكمة النقاط في الميدان..فاكس مُذَيَّل بعبارة: مؤقت زائل.

alafdal-news
