د. علي دربج - خاص الأفضل نيوز
من فشل إلى آخر، ومن إخفاق إلى نكسة. هكذا هو حال رئيس الوزراء الفاشي بنيامين نتنياهو الذي تلقّى اليوم ضربة قاسمة، يمكن أن تؤدي إلى انسحاب النواب اليهود المتطرفين من ائتلافه ـــ وبالتالي عدم استعباد نظرية انهيار حكومته النازية ومعها مستقبله السياسي ـــ بعدما قضت المحكمة العليا الإسرائيلية بأنه يجب على طلاب المدارس الدينية المتطرفة (الحريديم) التجنيد على الفور في الجيش الإسرائيلي ولم يعودوا مؤهلين للحصول على مزايا حكومية كبيرة.
ويأتي هذا القرار في أعقاب حكم مماثل للمحكمة العليا في شهر مارس/ آذار الماضي، عندما أمرت بوقف الدعم الحكومي لليهود المتشدّدين ( الحريديم) الذين يدرسون في المدارس الدينية، بدلاً من أداء الخدمة العسكرية. وما يزيد الطين بُلة بالنسبة لنتنياهو والائتلاف المتطرف، أنه بعد أيام قليلة يصبح قانون الإعفاء منتهي الصلاحية، والأنكى أنه لم يُصاغ أي تشريع مكانه.
ومن هم جماعة "الحريديم"؟
في الواقع يطلق مصطلح "الحريديم"، على جماعة من اليهود الأرثوذكس المحافظين دينياً وسياسياً واجتماعياً، والذين يشار إليهم أحياناً باسم "الأرثوذكسية المتطرفة".
ويحافظ "الحريديم" على كافة الأنظمة والقوانين الوارد ذكرها في التوراة والكتب الدينية المقدسة، ويعارضون بشدة إحداث أي تغيير فيها. ويعتقد هؤلاء أن دولة إسرائيل ونظم حياة اليهود فيها، يجب أن تسير وفق قوانين وأنظمة الشريعة اليهودية، وليس بموجب قوانين حددها ونظمها بني البشر. لذا، يحاولون بين الفينة والأخرى فرض شرائع التوراة على المشهد الحياتي في الكيان الغاصب.
أكثر من ذلك، وبهدف منع التأثير الخارجي، وتضرّر القيم والممارسات الدينية، يسعى "الحريديم" إلى الحد من اتصالهم بالعالم الخارجي، ويتجنّبون قدر الإمكان التحدث مع من هم خارج طائفتهم، إذ يقتصر تفاعلهم مع الغرباء عموماً على المعاملات الاقتصادية والعلاقات العامة الضرورية، مثل الذهاب إلى مكتب البريد، بحسب موقع "ماي جويش ليرنيج".
علاوة على ذلك، تعارض القيادة الدينية الحريدية بشدة تجنيد الشباب في الجيش، بحجة أن دراساتهم الدينية أكثر أهمية.
ويرتبط ذلك، بالخوف من فقدان الشباب لهويتهم الأرثوذكسية المتطرفة أثناء الخدمة العسكرية.
ولهذه الغاية، يواصل الحاخامات الحريديم، معارضتهم للتجنيد، الأمر الذي دفع بالأحزاب السياسية الحريدية، إلى ممارسة ضغوط شديدة على العديد من الحكومات لإدامة الإعفاءات الشاملة".
وما هي نسبة "الحريديم" في المجتمع الإسرائيلي؟
عمليًّا، يعدّ الحريدم أيضًا الأقلية الأسرع نموًا، إذ يبلغ عددهم أكثر من مليون نسمة. تتمتع هذه الجماعة الأرثوذكسية المتطرفة الصغيرة ـــ والتي تحولت إلى مجتمع صغير وتشكل الآن أكثر من 12% من السكان في إسرائيل ــــ بإعانات حكومية للمدارس الخاصة والمنظمات الدينية والاجتماعية. ولهذا دعمت أحزابها السياسية ائتلافات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مقابل استمرار حكومته، وبالتالي محافظته على قرار إعفاءِ شباب الحريديم من الخدمة العسكرية.
خلفيات قرار المحكمة العليا بعدم إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية
في الحقيقة، يجاهر العديد من الإسرائيليين، بأنهم لم يعودوا قادرين على دعم الحريديم، في ظل الأوضاع الحرجة والمأزومة التي يعيشها الكيان، خصوصًا في ظل تصاعد وتيرة الاستنزاف التي يعاني منها جيش الاحتلال على الجبهتين الغزاوية (مع حماس) والشمالية (بمواجهة حزب الله) وفي الضفة الغربية. كما لعبت حاجة الكيان الشديدة إلى حشد المزيد من القدرات البشرية ـــ لمواجهة هذه الأخطار الوجودية أعلاه، في أعقاب تكبّد إسرائيل أعدادًا كبيرة وغير مسبوقة من الخسائر بالأرواح في أوساط ضباطه وجنود في لبنان وفلسطين ــــ دورًا مؤثرًا، ساهم بتصاعد الاستياء من الأرثوذكس المتطرفين.
من هنا، تعهد السياسيون لسنوات، بقطع هذه الخدمات، وشجبوا الأنظمة التي تسمح لمجتمعات الحريديم شبه المستقلة/ بالوجود داخل إسرائيل، مثل تجنب جباية الضرائب منهم، أو إعفاؤهم من الخدمة العسكرية.
ووفقًا لاستطلاع أجراه معهد سياسة الشعب اليهودي (JPPI)، وهو مركز أبحاث غير حزبي مقره في القدس، يفضّل حوالي 81% من اليهود الإسرائيليين تغيير الإعفاء للحريديم، بينما يؤيد 45% التدابير "القسرية". في حين يدعو 36% إلى اتباع الطرق المقنعة معهم.
وتعقيبًا على ذلك، قال شوكي فريدمان، نائب رئيس المعهد، لقد زادت الحرب من الحاجة إلى مشاركة جميع شرائح المجتمع في تحمل عبء أمن البلاد، والغالبية العظمى من الإسرائيليين يعتقدون أن العقد الاجتماعي يحتاج إلى إعادة التفاوض.
وبالمثل يواجه الأرثوذكس المتطرفون أيضًا معضلة كبيرة. فمن ناحية، يريدون منع هذه الكارثة. ولكن من ناحية أخرى، إذا انهارت الحكومة وذهبت إلى الانتخابات، فقد تكون النتيجة أكثر سوءً بالنسبة لهم. ففي هذه الحالة، قد يحصلون عندها على مكتسبات أقل، خصوصًا وأن استطلاعات الرأي كانت متباينة، إضافة إلى أن الانتخابات الجديدة يمكن أن تأتي إلى السلطة بائتلاف أقل تفضيلاً لليهود المتشددين.
في المحصلة، إن آخر ما يريده نتنياهو ــ الغارق في وحول غزة ولبنان بسبب ضربات حماس وحزب الله ـــ هو قرار المحكمة العليا، الذي جاء في توقيت سياسي وأمنيّ حسّاس وقاتل، كونه سيخلخل ائتلافه من جهة، ويفاقم نقمة الحريديم ضده من جهة ثانية.
والأهم أنه سيزيد حتمًا من حالة الفوضى والتشرذم والفوضى داخل المجتمع الإسرائيليِّ المنقسم أصلاً.
أما الدليل على ذلك، فهو كلام يسرائيل كوهين، المعلق في محطة "كول بيراما" الإذاعية الأرثوذكسية المتطرفة، الذي قال تعقيبًا على القرار، إن المجتمع يدرك ذلك، بعد 7 أكتوبر، يجب أن تتنازل. وأضاف "الطائفة ستمنح نتنياهو فترة سماح قصيرة لصياغة قانون يأخذ في الاعتبار الواقع الجديد، مع ضمان قدرة الأرثوذكس المتطرفين على التمسك بقيمهم." وخلص إلى القول: "الآن حان وقت الاختبار لنتنياهو لتمرير قانون.. وإذا لم يحدث ذلك، فإن الدعم لهذه الحكومة يختفي".

alafdal-news
