مفيد سرحال - خاص الأفضل نيوز
لم يكن سهلًا رفع الوزير حسن مراد أثقال والده عبد الرحيم مراد والنهوض باقتدار وحكمة وجدارة والأوزان على منكبيه ثمرة نضال سياسي طويل بتحدّياته الجسيمة بناها أبو حسين لبنة لبنة تمظهرت مؤسسات ضخمة يستحيل أن تجد لها مثيلًا على مستوى لبنان (إمبراطورية تربوية ومؤسساتية في شتى مناحي حاجات الناس) تشع على كل المناطق اللبنانية بنفس الحجم والغاية وتربطها وشائج متينة بالوسائط العصرية التربوية والإنسانية وكأننا أمام ترجمة لميثاق وطني وحدوي مرتكزاته العلم وبناء الإنسان.
وفلسفته العملية إسقاط التهميش ومعه مصطلح مناطق نائية كدلالة على حصرية الخدمات مركزيًّا من قبل سلطة توارثت عقلية في الحكم مهما طرأ عليها من تحديث تبقى قائمة على التمييز والحصحصة والقسمة على 6 والضرب على وتائر الغرائز.
البقاع إهراءات روما سابقًا صار إهراء "الغد الأفضل" ومع شحّ القمح اشرأبت سنابل أجيال وفاضت خيرًا عميمًا ونفضت معها ظلم الجغرافيا والغبار الكثيف للسياسات العقيمة.
حسن مراد بهذا المعنى خطير يخطّط بعقل الذّئب ويُنفِّذ بقلب الأسد
والحال تحتاج عقلًا ماكرًا لتعقب مراسه وإحساسه وسلوكه المزاجي وحركته المغلفة بالغموض.
في غيابه عن الإعلام والتواصل المباشر مع الناس يستحضر تلقائيًّا تعليقات خبيثة تطاله وانتقادات لاذعة يَتَقَحَّمون عليه منها لتتحول إلى ثُلمَةٍ يغتابونه بها ومقارنات مع حركية ودينامية والده أبا حسين لا يخلو جلها من مقاصد أقلها هدم الشخصية لتجاوزه كعقبة وتقزيمها تحوطًا من تعملقها الطاغي ومحاولة التشكي والتبرم المتذاكي لا حبًّا بل لبث ونشر إيحاءات وإشارات تؤسس لتهشيم الصورة..
لقد قلت عقله خطير حسن مراد والأخطر أنه ينأى عن الخلوي ودردشاته المطلبية تاركًا الأمر لمكلفين أو الانغماس في تفاصيل الناس لدرجة تعميم شعور أنه في غربة واغتراب ليثير حسن مراد جدلًا متعمدًا عن سابق ترصد وتصميم (ذهنية ذئبية خطرة) بغرض سبر أغوار الأمزجة واستطلاع ونبش المغمور في بواطن الأقربين والأبعدين وفرز الغَدَرَةِ من الأوفياء والمُتصَنِّع والأشد تَصَنُّعًا، وبليغ الرأي والنظر من كثير الكلام والمَلق، واستعراض الأنذال والأرذال وأهل المروءة والتوقير والإجلال، والأخيار والأحرار، ومن سمات خطورته وذكائه وفطنته نصاعة فروسيته حيث أن للطيف عنده مكانة ينتفع بها وللجسيم موضع لا يستغني عنه وفي الوقت عينه يستوحش لغة التَزيُّن والتَصَنُّع ولا شك أبداً أنه خبير داهية يرجح كفة أهل العقل على أهل الضلالة والجهالة كي لا يجترئ به سفيهٌ أو يستخف به شانئ.
نعم خطير حسن مراد لا يُمَكِّن من يبلي بلاء حسنًا من التدلل عليه ولا يُمَكِّن سواه من الاجتراء عليه والعيب له.
خطير حسن مراد وعندما تتعقبه استقصائيًّا ولو ببصيرة أهل الأمن لأنها الأجدى والأفعل في سبر غور حركته لوجدت تحت لجة غيابه موجًا صَخّابًا يلاطم شواطئ الطموح ويمزق أشرعة السكون .. هكذا وأنت في حيرة وغفلة تراه يقدم على شراء جامعة الرئيس نجيب ميقاتي ومؤسسة اجتماعية رديفة في طرابلس ومعلوم أن دولة الرئيس ميقاتي إلى جانب وزنه السياسي يعتبر من أعمدة رجال المال والأعمال في لبنان.
وبصمت أيضًا يستحث فريقًا متخصصًا من المهندسين في البناء وقطاع الاتصالات على الإسراع في بناء أضخم مؤسسة إعلامية في هذا الشرق في قلب البقاع على مقربة من مقر الجامعة اللبنانية الدولية في الخيارة ومؤمل سيضاهي بناؤها الحضاري وتجهيزاتها التقنية من استوديوهات ومعدات كبريات المؤسسات الإعلامية في العالم حيث من المقرر افتتاحها في الشهر التاسع من هذا العام بأكبر تظاهرة إعلامية سيشهدها لبنان.
كما يجهز بسرية تامة وتحت طبقة من الصخب ستاد جمال عبد الناصر ليصبح بتصرف (الفيفا) ويستقبل المباريات العالمية بمقاييس دولية لجهة تحضير المطاعم والشاليهات بمستوى راقٍ جدًّا...
أما على المستوى الاجتماعي فالسوبر ماركات الثلاث بدأت نشاطها للتخفيف من أعباء الحالة المعيشية وعلى قدم وساق محطات وقود بأسعار مدعومة يواكبها مؤسسة صحية هي أكبر من مستوصف وأقل من مشفى باتت قاب قوسين أو أدنى من التشغيل.
حقيقة خطير حسن مراد إذ لم يكن عبثًا هذا الانزياح الصامت عن المشهد فتراه يعد العدة لمشهد بقاعي ينقل معه لبنان إلى البقاع ويحجز للبقاع مكانة في مطارح الرقي والتقدم.
في السياسة ومن منظار دقيق كاشف يلتمس ما لا يدرك إلا لدى ذوي البصيرة النافذة والاستشراف الفعال، التحولات التي بدأت تطرأ على المزاج السني عقب طوفان الأقصى وانتشار صور أبو عبيدة في الشوارع الرئيسة وقرى وبلدات البقاع الغربي وتحول الملثم إلى ظاهرة يتقلدها الشباب وتغزو عقول الناشئة ولا ننسى أثر الدم المقاوم لقوات الفجر التابعة للجماعة الإسلاميةِ وسقوط شهيدين من أبناء البقاع الغربي باستهداف صهيوني غادر الشهيد شرحبيل السيد من المنارة والشهيد أيمن غطمة من بلدة لالا واختراق الجنازتين لقرى البقاع الغربي هز مشاعر الناس واخترق وجدانها وجاء رفع سماحة المفتي علي الغزاوي البندقية تدليلًا على خيار المقاومة في تشييع الشهيد أيمن غطمة ليؤكد المؤكد أن فلسطين الجريحة السليبة تجمع مهما تكاثرت التباينات السياسية، ليتبين لاحقًا أن حسن مراد وبقرار منه سخر كل أجهزته ووسائطه الإعلامية خاصة مؤسسة الأفضل نيوز التي باتت تنافس المواقع والمنصات الإعلامية العريقة في لبنان في تغطية مواكب التشييع واستصدارها كمواد ترويجية لاقت استحسانًا هائلًا في لبنان والعالم لا سيما في صفوف المغتربين.
ولعل أبرز التحولات تلك المتعلقة بالخليج العربي وعودة الحرارة للعلاقة بين الإمارات العربية المتحدة وبشكل خاص المملكة العربية السعودية مع سوريا والحماسة اللافتة لأردوغان للقاء الرئيس السوري بشار الأسد.
وهذا من شأنه تعميق فكرة تجاوز كل شعارات الحقبة السابقة من مواقف واصطفافات وتجاذبات بحيث لم يبق، وهذا ما يدركه حسن مراد، أي عنوان سياسي لخوض معركة سياسية بوجهه من شأنها تشكيل رأي عام مناهض مع العلم وللأمانة الإعلامية والموضوعية والصدقية لا أحد يمكنه إنكار أن للرئيس سعد الحريري حضورًا وازنًا في الوجدان السني في البقاع الغربي وغيره لشعور متراكم بمظلوميته والإحساس لدى خصومه وأنصاره أن سببًا أساسيًّا لاستبعاده من العمل السياسي كان رفضه في خطاب علني عام 2019 في ذكرى والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري أن يكون رأس حربة الفتنة المذهبية في لبنان.
هذه المناخات السنية المتقلبة والعاصفة أحياناً على مقياس التحولات الآنفة الذكر دفعت بالسيد بهاء الحريري للتحرك في الساحة البقاعية كحق من حقوقه لتدارك الانزياحات في الشارع السني وبالقدر عينه حركة الأستاذ أحمد الحريري للحؤول دون تسرب شعبية المستقبل إلى خيارات أخرى تحت وطأة تسارع الأحداث والمتغيرات في الإقليم خاصة من البوابة السورية حيث باتت المملكة العربية السعودية حاضرة بسفارتها وأجهزتها الإعلامية مثل BBC والعربية وغيرها المتموضعة في الفورسيزن في دمشق كمؤشر على الحضور السعودي المستقر.
خطير حسن مراد عندما يرث بماله مؤسسات رئيس حكومة حالي ويستوعب حركة الشارع السني وموجة التغيير التي تلفحه بمؤثرات ذاتية وموضوعية محلية وخارجية بخطاب هادئ رصين غير مستفز قوامه مد اليد والمرونة وتركيزه على عبارة: يا أهلي وأنتم أهلي وأنتم أهلنا...
والسؤال متى أوان ليلة القبض على الحكومة أم أنه على الدوام كوالده يدفع ثمن هوية رئاسة الجمهورية عندما توزع الرئاسات وفق منطوق السياسات والخيارات.
في شتى الأحوال حسن مراد الآن خطير بأدائه وأسلوبه المشبع بالاحتراز والتأني والهدوء والاستقطاب الخفي والدخول السلس إلى العقول لامتلاك القلوب...
خطير حسن مراد ..يتمدد في المجال السني ويطوف في مرمح العامة على صهوة المبادرات والمؤسسات.. خطورته بائنة صارخة أنه رقم صعب في زمن التحولات الأصعب.