نبيه البرجي - خاصّ الأفضل نيوز
مثلما صدمت القيادات السياسية، والروحية، من الأسئلة الباهتة للكاردينال بيترو بارولين، صدم هو بالأجوبة الضائعة للقيادات المسيحية، أيضاً لقيادات أخرى.
ولكن ماذا يمكن لأمين سر البابوية أن يحمل معه إذا كان الفاتيكان، بالمدى المعنوي، يدرك أن الطريق إلى واشنطن في الظروف الدولية الراهنة، وهي ظروف الصراع، شائك جداً، ولا يوصل إلى مكان، كما أن الطريق إلى طهران مقفل بسبب تلك السلسلة الطويلة من اللاءات التي بعضها بنبرة إيديولوجية، وبعضها الآخر بنبرة جيوسياسية.
لكن ما تناهى إلينا من محادثات بارولين خوفه على السيحيين ـ خوفه الشديد ـ من القادة المسيحيين. الشرق الأوسط، ليس فقط منطقة الرمال المتلاطمة، إنه أيضاً منطقة الأزمنة المتلاطمة. المسيجيون بحاجة إلى قادة استثنائيين، لا إلى "شخصيات عائمة"، كما قال السفير الفرنسي السابق في لبنان، ومدير الاستخبارات الخارجية السابق، برنار إيميه.
إلى مرجع سياسي بارز نقلت عبارة زعيم حزب مسيحي"... وبلا ما يكون فيه رئيس للجمهورية"، كما لو أنه يقول"... وبلا ما يكون فيه جمهورية"!
وسط الضجيج العسكري عبر الخط الأزرق، سأل المرجع إياه "ماذا لو كان المسيحيون على حدود فلسطين المحتلة ؟".
على بعض القادة الذين يحاولون تقمّص شخصية قسطنطين الأكبر، أن يقرأوا ما كتبه ميشال شيحا وما قاله موريس الجميّل وميشال إدة، كذلك ما قاله شارل مالك، وحتى ما قاله السيد المسيح، في المغول الجدد على حددودنا الجنوبية. لا فارق بين نتنياهو وهولاكو...
نكتفي بهذه العبارة التي وردت في المزمور 91 / 29 ـ 6 "صوت الرب يحطم أرز لبنان. يجعل لبنان يقفز قفز العجل...". إلههم هم لا إله الآخرين. فيليب حتي لاحظ أن إله العبرانيين كان إلهاً قبلياً، وكان يرشق، من كهفه، السابلة بالحجارة، عرب جنوب الجزيرة نصحوهم بتحويله إلى إله كوني. بعد نحو 3000 عام بات إله الغيتو.
"قوة لبنان في ضعفه"،مقولة الشيخ بيار الجميّل. هل يمكن أن تكون هذه فلسفة حياة لدولة تم تركيبها في إحدى قاعات قصر فرساي، عام 1919، بين جورج كليمنصو والبطريرك إلياس الحويك ؟كليمنصو نفسه الذي قال، غداة الحرب العالمية الأولى، "ثمة لغة واحدة للتاريخ: القوة".
حين وصف هنري كيسنجر لبنان بـ"الفائض الجغرافي" الذي يمكن استعماله لتسوية أزمات المنطقة، سارع أرييل شارون إلى وصفه بـ"الخطأ التاريخي"، لنعلم أن الطائرات الإسرائيلية كانت تحلق في سماء بيروت منذ الخمسينات من القرن الفائت. الكل غضّوا الطرف لكون قوة لبنان في ضعفه. هذا ما رفضه موريس الجميل شقيق زوجة الشيخ بيار ميشال إدة قال ضاحكاً "لكأن تلك المعادلة مثل المقارنة بين نابوليون بونابرت وغوار الطوشي".
ثمة شخصية نبيلة في فرنسا . دومينيك دو فيلبان، ولأنه مع العرب، حالت عائلة روتشيلد بينه وبين الانتقال من الماتينيون، مقر رئاسة الحكومة، إلى الإليزيه، مقر رئاسة الجمهورية. أبلغ الفاتيكان بالتداعيات الكارثية لإقامة الكانتون المسيحي في لبنان.
في نظره، منطق الكانتونات مقبرة للمسيحيين ليس لأن أهمية المسيحيين في تفاعلهم الخلاق مع الطوائف الأخرى فحسب، وفي دورهم المحوري في التقاطع مع ديناميات الحداثة، وهذا عامل جوهري في تكريس الوجود المسيحي في الشرق. أيضاً، أي نوع من الصراع القبلي (الدموي) سينشب حول قيادة الكانتون؟ هذا المنطق هو أيضاً مقبرة لسائر اللبنانيين.
الزميل أنطوان فرنسيس ذكّرنا بأن أبناء الطائفة خاضوا صراعاً "مروعاً" حتى حول مكان دفن القديس مارون.
الفرنسيون الذي حاولوا، عبثاً، الدخول إلى الشرق الأوسط عبر البوابة اللبنانية، ودون أن ننفي مشاعر النوستالجيا حيال لبنان داخل الكي دورسيه (مقر وزارة الخارجية) يعتبرون أن مصير رئاسة الجمهورية، وحتى مصير الجمهورية، رهن بتطور الأوضاع في الجنوب. وكانوا قد تلقوا معلومات من الجانب الأميركي بأن مشروع آموس هوكشتين حظي، مبدئياً، بموافقة من جهات فاعلة في لبنان، بانتظار أن تتبلور الأوضاع في غزة.
المعلومات نفسها تشير إلى أن البنتاغون استخدم في كلامه إلى يوآف غالانت ـ وهو الكلام الذي يفترض أن يصل إلى نتنياهو ـ وللمرة الأولى، منذ أيام دوايت إيزنهاور، لغة التهديد بكون أي مغامرة عسكرية ضد لبنان، وامتداد الحرائق إلى سائر أرجاء المنطقة، يشكل خطراً حقيقياً ليس فقط على المصالح الحيوية للولايات المتحدة، وإنما على أمنها الاستراتيجي.
هذا لا يمنع الفرنسيين من إبداء مخاوفهم لأن أحداً لا يستطيع التكهن بما بعتبرونها "فلسفة الصفقات" في العقل الأميركي، ودائماً في إطار البراغماتية التي كثيراً ما وصفها السناتور بيرني ساندرز بـ"البراغماتية العمياء".
لكن المشكلة تبقى في الداخل اللبناني، وقد اختزلها المطران الجليل جورج خضر بعبارتين "لبنان واقع ركام لا واقع جماعة"، و"كتب على لبنان ألاّ يعيش وألاّ يموت"، كما لو أننا أمام دانتي في "الكوميديا الإلهية". "في الجحيم رأيت أناساً لا يعيشون ولا يموتون".
بالرغم من معرفتنا بشخصية جان ـ ايف لودريان، بالمواصفات البيروقراطية، وحتى الزبائنية، نتوقف عند كلمة محورية له "لبنان أمام... اختبار الحياة"!!