نبيه البرجي_خاصّ الأفضل نيوز
أكثر من أن يكون هولاكو الذي انتهى بالجلطة الدماغية , وقد أدت به الى الصرع القاتل , وأكثر من أن يكون الفوهرر الذي انتهى برصاصة في الرأس , ليقول الكاتب الألماني غانتر غراس , الجائزة نوبل في الآداب , "عادة ما يخرج الطغاة من العالم , أو من التاريخ , مثلما تخرج الجرذان من جحورها" .
لا نتصور أن ثمة حدوداً لجنون بنيامين نتنياهو . شبق هائل للدم . بطبيعة الحال , من يقول بتغيير الشرق الأوسط لا يمكن أن يكتفي بغزة , أو بالضفة , أو بلبنان وسوريا . الأتراك والإيرانيون يعلمون أي دور قامت به المؤسسة اليهودية للحيلولة دون دخول أي من بلدان المنطقة في الزمن التكنولوجي (البقاء على تخوم التكنولوجيا) .
الأميركيون الذين صاغوا معادلات القوة , والضعف , في المنطقة وضعوا الأحزمة الحمراء حول أي محاولة لإعادة إحياء السلطنة العثمانية , أو الأمبراطورية الفارسية .
مثلما منعت إيران من الاقتراب من العتبة النووية , منعت تركيا من بناء مفاعلات نووية , مع احتفاظ الولايات المتحدة , ومنذ الخمسينات من القرن الفائت , بـ 50 قنبلة نووية في قاعدة انجرليك , كجدار النار في وجه الأمبراطورية السوفياتية ألتي آلت إلى الزوال منذ أكثر من ثلاثة عقود , ودون نقل القنابل إلى أي مكان آخر ..
ومنذ الخمسينات أيضاً صاغ جون فوستر دالاس "مبدأ ايزنهاور" (1957 ) لـ"ملء الفراغ" في الشرق الأوسط . والواقع لتفريغ المنطقة من كل ديناميات القوة . وبحسب سيمور هيرش "تكريس التقاطع بين الغيب والغيبوبة" , ليصل الى حد التحذير من دخول المنطقة في ذلك النوع من العدمية , والذي يعني الموت السياسي وحتى الموت التاريخي . أليس هذا ما تعانيه دول المنطقة الآن ؟
بين الحين والآخر دعوات لقيام بلدان المنطقة بملْ الفراغ بنفسها , عبر منظمة إقليمية للتكامل الاستراتيجي الذي يلحظ , وبالدرجة الأولى , إقامة مجتمع تكنولوجي , بثنائية الأدمغة والمال , حتى أن الباحث المصري جمال حمدان دعا الى "وادي سيلكون شرق أوسطي" لإرساء نوع من "التوازن التكنولوجي" بين بلدان المنطقة وإسرائيل , ما يساعد على "خروجنا من أزمنة العفن" .
حالياً لا شكل من أشكال التوازن بيننا وبين إسرائيل . أي توازن في ظل التماهي الاستراتيجي , وحتى الإيديولوجي , بين أميركا (إسرائيل الكبرى) وإسرائيل (أميركا الصغرى) , لتلاحظ المؤرخة الأميركية اليهودية آفيفا تشومسكي كيف أن "الذئب يمتطي ظهر البطة العرجاء" . إنه بنيامين نتنياهو يجر وراءه جو بايدن , لتشير تشومسكي الى أن زعيم الليكود مصاب بـ"بارانويا القوة" التي لا تهدد فقط الأمن الاستراتيجي لإسرائيل . أيضاً الأمن الاستراتيجي للولايات المتحدة التي ترى في الشرق الأوسط "بؤرة شديدة الأهمية" بالنسبة الى دورها , خصوصاً " ... ونحن في الطريق الى منتصف القرن الذي قد يتغيّر فيه دوران الكرة الأرضية" .
نتنياهو يريد الإفادة , الى أقصى مدى , من حالة الضياع التي تعيشها الولايات المتحدة عشية انتخابات رئاسية قد تكون الأكثر حساسية , والأكثر خطورة , في تاريخها , وإن كان هناك من يرى ألاّ فارق يذكر بين عودة دونالد ترامب الى البيت الأبيض , وفوز كامالا هاريس , في ما يتعلق بأزمة الشرق الأوسط .
ولكن تبقى المرشحة الديمقراطية أكثر عقلانية من المرشح الجمهوري الذي وعد بتوسيع مساحة الدولة العبرية , بعدما "فوجئ" بضيق هذه المساحة , بانعكاساتها الاستراتيجية على "بقاء" إسرائيل كـ"وديعة أميركية" , أو كـ"وديعة إلهية", في منطقة يعتبرها ترامب "محظية أميركية" .
الكلمة , في الظروف الراهنة , للأرض . المواجهة البرية هي الأساس في الصراع العسكري . مسؤول العلاقات الإعلامية في "حزب الله" محمد عفيف توعّد نتنياهو , وبالصوت العالي , بأيام سوداء , بعدما بدأ اليوم الأول "اليوم الأسود" بسقوط عشرات القتلى والجرحى الإسرائيليين . مثلما هي أيام سوداء هي أيضاً أيام شاقة إذا ما أخذنا بالاعتبار مدى الجنون في رأس بنيامين نتنياهو .
ولكن متى كان للمجانين البقاء على المسرح ...؟!!