خليل حرب - خاصّ الأفضل نيوز
الحذر والدقة ضروريان لفهم المشهد الإيراني. المبالغة بتصوير خيارات الإيرانيين بين "الخير والسيء" أو وكأنه بين "الأبيض والأسود"، هو إمعان في ترسيخ إسقاطات مضلّلة.
تتعامل إيران مع كل محطة انتخابية عاشتها منذ الثورة قبل أكثر من 40 سنة، باعتبارها لبنة إضافية في مدماك الدولة اليافعة. "رسالة" كما يقول العديد من القادة الإيرانيين كلما فتحت صناديق الاقتراع، وأغلقت... مهما كانت نتائجها.
الإلحاح الغربي على تصوير صناديق انتخابات الإيرانيين طوال عقود بأنها مجرد ألعوبة بأيدي مرشد الجمهورية، هو تسخيف ليس بريئًا بكل الأحوال.
للجمهورية الإيرانيّة حيويتها، وهي إرث حضارة عمرها آلاف السنين، فالمفارقة عجيبة أن يكون الأميركي "محاضرًا" بعفة العملية الديمقراطية، أينما كانت.
لا سعيد جليلي يختصر "المحافظين" أو "الأصوليين" مثلما يسمون عادة، ولا مسعود بزشكيان، وقد تربع الآن على كرسي الرئاسة التاسعة، يمثل الإصلاحيين بتلويناتهم المتعددة.
وبالتالي، لا التيار المحافظ يحتمل هوية واحدة، ولا الإصلاحيون متعايشون تحت عقيدة جامعة. افهمها إن شئت، على غرار الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة مثلا. هناك سياسيون عابرون للحواجز الحزبية الفاصلة، وهناك رماديون ربّما، وهناك متلوّنون، وهناك انتهازيون، وهناك ليبراليون ومقابلهم أيضاً العقائديون والمتشددون.
ومن أجل فهم المشهد الانتخابي الإيراني ومحاولة فهم النتائج التي أفضت إلى وصول بزشكيان، لا بد من زاوية النظر المتعددة هذه.
فوز بزكشيان بالأمس يقوض النظرية القائلة بأن "المرشد" منحاز دائمًا على التيار المحافظ، ويفضل بالتالي جليلي، ولهذا فوجئ كثيرون بما آلت إليه العملية الانتخابية بفوز بزشكيان.
فمرشد الجمهورية ليس "محافظا" مثلما يشاع في الإعلام ولدى الغرب والمتأثرين بنظرته إلى منطقتنا. وهو أيضاً ليس "إصلاحيًّا" بالمعنى الحزبي الضيق. "المرشد" هو دائمًا بين بين، لكنك تراه مشدّدًا مثلاً عندما يلمس التضييق الخارجي على إيران وناسها، ومستعدًّا للذهاب إلى المواجهة مباشرة مثلما جرى في عين الأسد قبل 4 سنوات، أو في ليلة الصواريخ والمسيرات على إسرائيل قبل شهرين.
وبإمكان "المرشد" أن يكون إصلاحيًّا بالمعنى العام للكلمة، وهو مثلاً مقارنة بالعديد من رجال الدين الكبار، سواء داخل إيران أو خارجها، أكثر انفتاحًا مما هو متصور. فمن أجل تسهيل المفاوضات التي كانت تجري مع الغرب حول البرنامج النووي والعقوبات والعلاقات معه، أصدر فتواه الشهيرة بتحريم القنبلة النووية في العام 2003، وهي خطوة ربما حتى العديد من قادة التيار الإصلاحي فوجئوا بها.
هذا بعض ما يبدد نظريات "الجيد والسيء" الشائعة، مثلما يفترض أن يبدد التركيز الغربي الشائع أيضاً بأن "رئيس الجمهورية" لا يتمتع بصلاحيات تذكر أمام "المرشد". صحيح أن للسيد خامنئي نفوذه الكبير خصوصًا في القضايا الاستراتيجية، والقيادة العامة للقوات المسلحة ودور الحرس الثوري وتسوية الخلافات بين السلطات الثلاث، إلا أن رئيس الجمهورية يتمتع بسلطات واسعة لا يمكن إنكارها، وبإمكانه إحداث تغييرات جدّية في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد، في إطار مجلس الوزراء ومن خلال التعاون مع البرلمان.
كان بإمكان "المرشد"، لو أنه كان أصولي الهوى، ويتصرف على هذا الأساس، أن يوعز لأنصاره وقوى التيار المحافظ وقيادته، بخوض معركة فاصلة مع "الإصلاحيين" لإلحاق الهزيمة بمرشحهم بزشكيان. لكن المعركة الانتخابية لم تكن كذلك، ولهذا فاجأت الكثيرين، وستظل تأتينا بمفاجآت ما لم نقرأها بعين مغايرة، وبلا إسقاطات الغرب وتشويهاته.