كمال ذبيان - خاصّ الأفضل نيوز
يتجرّع اللّبنانيّون الكأس المرة، بسبب الأزمة الماليّة والاقتصاديّة، التي أنتجتها السّلطة الحاكمة، عبر عهود رئاسيّة، وحكومات متعاقبة، ومجالس نواب، وكلّها مسؤولة عن الوضع الكارثي الذي وصل إليه لبنان، الذي يصنّف من الدول الأكثر فسادًا في العالم، ويأتي في درجة متقدّمة من بين الدول الأقل سعادة والتي يكثر فيها الاكتئاب فيها، وتسجّل حالات الانتحار أرقامًا، لم تسجّل سابقًا إذ بلغت نحو ٥٠٠ عمليّة انتحار سنويًّا.
ومنذ العام ٢٠١٧، وقبل ذلك بعقدين، بدأت تطلُّ الأزمة الماليّة التي كانت تحلّ بسياسة الاستدانة التي اتّبعها الرّئيس رفيق الحريري أثناء ترؤسه للحكومات التي لم تقدّم خططًا اقتصاديّة، بل كلّ ما عمل عليه الرئيس الحريري، هو تحويل لبنان أو إبقاؤه بلدًا للخدمات وجذب الأموال للمصارف، لا سيما من المغتربين، وليس للاستثمار في مشاريع إنتاجية، فأعطت المصارف فوائد عالية على الأموال المودعة لديها، لأن الحكومة استدانت بفائدة عالية وصلت إلى ٤٢,٥٪ على سندات الخزينة.
هذه السّياسة الماليّة - الاقتصاديّة التي اتّبعتها " الحريريّة السّياسيّة"، فجّرت أوّل أزمة ماليّة، ظهرت في ارتفاع خدمة الدَّين العام، الّذي كان صفرًا بعد اتفاق الطّائف، لا سيّما الخارجي منه، حيث لم تتقدّم دول لمساعدة لبنان بعد انتهاء الحرب الأهلية في العام ١٩٩٠، لا سيّما إعادة الإعمار في وسط بيروت والمناطق التي حصلت فيها عمليات التهجير وتحديدًا في الجبل، وهذا ما أوصل إلى الاستدانة، وعدم تسديد الدّيون، لأنّ الاقتصاد قائم على الريع وليس على الإنتاج.
فما حصده لبنان منذ العام ٢٠١٩، تاريخ انفجار "ثورة اجتماعية" في الشارع، مع زيادة الرسم على مكالمات "الواتساب" بقيمة ٦ سنت حيث جرى استغلال قرار الحكومة برئاسة سعد الحريري لهذه الزيادة وتحرّك الشّارع أو جرى تحريكه من قبل مجموعات تبيّن أنّ بعضها مرتبط بمخطّط خارجيّ وتحديدًا الأميركي لنشر "الفوضى الخلاقة" في لبنان، وانحلال مؤسساته.
وتمّ الاستثمار خارجيًّا وداخليًّا، في "الحراك الشعبي"، وهو ما يشبه ما سمّي بـ "الرّبيع العربي" لكنّه في لبنان له هدف، ليس الإصلاح ولا محاربة الفساد، ولا تصحيح الوضع المالي والوصول بـ "لبنان" إلى التّعافي الاقتصادي،
فإن الفريق الذي سمّى نفسه بـ "التغيير"، عمل على توجيه أسباب الانهيار، المالي والاقتصادي ووقوع اللبنانيين بأزمة اجتماعية، هو وجود مقاومة واستمرار سلاحها خارج قرار الدولة، ولم يمر وقت حتّى انكشف "التّغييريّون"، الذين وظفت بعض وسائل الإعلام، لا سيما المرئية لهم، فكانت بعض الشاشات في خدمتهم وتحديدًا برامجها السّياسيّة، وهذا ما مهّد لهؤلاء، أن يخوضوا الانتخابات النيابية عام ٢٠٢٢، وأحرزوا ١٣ مقعدًا، هي المقاعد الّتي يشغلها نواب محسوبون على المقاومة ومتحالفون مع سوريا، ممّا دفع بالدّبلوماسي الأميركي ديفيد شينكر أن يعلّق وقبل أن تصدر النّتائج النّهائية للانتخابات، بأنَّ حلفاء سوريا خسروا فيها، وعدّد أسماء الخاسرين، في إشارة واضحة، أن الفائزين هم في الخطّ الأميركي، وضدّ المقاومة، وأنّ الأكثريّة النيابيّة ستكون من "الفريق السّيادي"، إلّا أنّ ذلك لم يحصل، إذ حصد الثّنائي "أمل" و "حزب الله" كلَّ المقاعد الشّيعيّة الـ "٢٧" مع حلفاء آخرين.
فمع ارتفاع الرّسوم والضّرائب، وتدنّي القدرة الشّرائيّة للمواطن اللبناني، فإنّ ربطة الخبز ترتفع أسبوعيًّا، ووصلت إلى الـ "٥٥" ألف ليرة، ومن المتوقع أن تصل إلى الـ "٩٠" و "١٠٠" ألف ليرة، دون أن يتحرّكَ الشّارع كما في رفع رسم "الواتساب"، وهو ليس أهم من الرّغيف الّذي سبّب ثورات في العالم.
فهنا يُطرح السّؤال أين التّغييريّون والسّاحات منهم؟.