عماد مرمل -خاص الأفضل نيوز
لم يحجب دخان الحريق الكبير الذي اندلع في خزانات النفط في ميناء الحُديدة اليمني جراء العدوان الإسرائيلي، جوهر المأزق الاستراتيجي الذي يعاني منه كيان الاحتلال بعد مرور نحو عشرة أشهر على بدء حربه الهمجية على قطاع غزة وعجزه عن الخروج منتصرا من "النفق" الذي انزلق إليه.
وبهذا المعنى، فإن الغارة التي استهدفت الميناء ومحطة الكهرباء في الحُديدة لا تعدو كونها عملية استعراضية اعتمدت على "الإبهار البصري" لمحاولة استعادة ماء الوجه بعد الصفعة اليمنية التي تلقاها بفعل وصول إحدى مسيّرات أنصار الله إلى قلب فلسطين المحتلة حيث أصابت مبنى في منطقة حيوية في تل أبيب، ما ادى إلى مقتل مجند متقاعد وجرح آخرين.
أما على مستوى النتائج الحقيقية، فإن الضربة الإسرائيلية التي استهدفت مرافق غير عسكرية في اليمن، لن تكون لها أي مفاعيل أو انعكاسات جوهرية على ميزان القوى ومجريات المواجهة مع العدو الإسرائيلي على مختلف الجبهات.
وإذا كان الهدف الأساسي من مهاجمة مدينة الحُديدة هو ترميم قوة الردع الإسرائيلية المتهالكة وبالتالي منع قوى محور المقاومة من الاستمرار في ضرب الكيان إسنادا لغزة تحت طائلة أن تصل إليها "الذراع الطولى" لجيش الاحتلال وفق تهديدات مسؤولي العدو، فإن هذا الهدف المفترض سقط على الفور، وقبل أن تخمد النيران في الحُديدة، مع استهداف القوة الصاروخية في القوات المسلحة اليمنية مدينة إيلات في جنوبي الكيان إضافة إلى سفينة اميركية في البحر الأحمر، وذلك بعد ساعات قليلة فقط من العدوان على اليمن.
واللافت، أن هذه العملية لم تكن سوى دفعة أولى على الحساب، حيث أكد قائد أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي أن "العدوان الإسرائيلي على بلدنا سيساهم في تصعيد عملياتنا ضده"، معتبرا أن "على الإسرائيليين أن يخافوا ويقلقوا أكثر من أي وقت مضى"، فيما أعلن الناطق باسم "أنصار الله" العميد يحيى سريع أن الرد على الغارات الإسرائيلية سيكون "كبيرا وعظيما"، مشددا في الوقت نفسه على مواصلة إسناد غزة (عبر الاستمرار في استهداف السفن التجارية المبحرة إلى موانئ فلسطين المحتلة).
واستنادا إلى هذه الوقائع والحقائق، تكون الغارة الإسرائيلية على اليمن قد فقدت جدواها الميدانية وقيمتها الردعية تلقائيا، لتغدو مجرد "فيلم أكشن" من النوع التجاري، والذي لا يغيّر شيئا في المعادلات التي أرساها محور المقاومة منذ بدء "طوفان الأقصى" في 7 اوكتوبر، وفي طليعتها أن "لا تهدئة على جبهات الإسناد قبل وقف إطلاق النار في غزة."
ومن المظاهر الأخرى لتهشم قوة الردع لدى الكيان، على رغم كل محاولات "ترقيعها"، هو أن صواريخ حزب الله أصابت مستعمرات جديدة في الشمال، وذلك للمرة الأولى منذ بدء الحرب، ردا على الاعتداءات الإسرائيلية وسقوط ضحايا في صفوف المدنيين، ما يُبين بوضوح أنه كلما أراد العدو لجم المقاومة واستعادة هيبته المفقودة، كلما ارتدت عليه النتائج عكسيا وتوسع مأزقه أكثر فأكثر.
لقد أصبح واضحا أن كيان الاحتلال خسر "وهرته" التي كان يخيف بها دول المنطقة، وهو بات عاجزا عن إنقاذها مهما أفرط في مكابرته وعدوانيته، بعدما "بلّت" كل قوى محور المقاومة يدها فيه، بدءا من الهجوم التاريخي الذي نفذته حركة حماس ضد مستعمرات غلاف غزة في 7 اوكتوبر، مرورا بالسيطرة النارية لحزب الله على الجليل وإجباره عشرات آلاف المستوطنين على النزوح، والضربة الإيرانية غير المسبوقة لعمق الكيان عقب الاعتداء على القنصلية في دمشق، وعمليات أنصار الله في اليمن والمقاومة الإسلامية في العراق ضد أهداف إسرائيلية في الأراضي المحتلة.
ولئن كان رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت قد تباهيا بقصف اليمن وتنافسا على الاستثمار الإعلامي والشعبوي للغارة، إلا أنهما سيكتشفان سريعا أن هروبهما المستمر إلى الأمام لن ينفع وأن إنكارهما المتواصل للواقع لن يفيد. وحده إنهاء العدوان على غزة سيدفع محور المقاومة إلى وقف جبهاته، وما دون ذلك، المواجهة بكل أشكالها وعلى كل الساحات، باقية ومتطورة حتى لو أفضت جراء أي حماقة إسرائيلية إلى اندلاع حرب شاملة في المنطقة.