يحيى الإمام - خاصّ الأفضل نيوز
يبدو أن نتائج زيارة نتنياهو إلى واشنطن والتصفيق لإجرامه في قلب الكونغرس الأمريكي قد بدأت اليومَ تتضح أكثر، وتشير للمراقبين والمهتمين بأن الولايات المتحدة لا يعنيها بعد اليوم حفظ أمن إسرائيل ولا بقاؤها حتى، لأنها فقدت دورها وعلةَ وجودها في المنطقة أصلاً، وصارت عبئاً على الاقتصاد الأمريكي يستنزفه بشكل دائم، ولا سيما بعد أن صارت القواعد العسكرية الأمريكية منتششرةً في معظم دول المنطقة، وبعد أن ضمنت ولاء معظم الأنظمة الصنمية العاملة في خدمتها ومن أجل إرضائها..
وهل دعمُ أوكرانيا في مواجهة الروس هو أولى من دعم إسرائيل؟
فمنذ انطلاق المعركة الوجودية المباركة : ( طوفان الأقصى) في السابع من أكتوبر عام 2023، كنا نقرأ ما يكتبه بعض المحللين الصهاينة ونستهجن ممَّا يقولون لجهة أن " المعركة هذه المرة هي أمريكية بحتة ومن أجل تحقيق المصالح الأمريكية البحتة بأيد يهودية وعلى حساب دماء اليهود " وأن أمريكا تواجه الصين وروسيا و"خارطة الحزام والطريق" وتسعى لتحقيق " الممر الهندي" بالقوة ولو أدى ذلك إلى الإضرار بمصالح إسرائيل مع جيرانها العرب بعد قطع أشواط طويلة في التطبيع وتأليف القلوب وبعد أن نسيت الأجيال العربية جراحها القديمة والمجازر الصهيونية التي ارتكبت بحق الفلسطينيين والعرب منذ العام 1948.
واليوم وبعد أن أخذ نتنياهو المجرم الضوء الأخضر من الإدارة الأمريكية، وتجاوز قواعد الاشتباك المتعارف عليها في القتال مع حزب الله وإيران في إقدامه على اغتيال القائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر ( الحاج محسن) في قلب ضاحية بيروت الجنوبية، وبعد إقدامه أيضاً على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشيخ إسماعيل هنية ( أبو العبد) في مقر إقامته في مبنى المحاربين القدامى في شمال العاصمة طهران مع مرافقه الشهيد "وسيم أبو شعبان" ، فإن هذا الصلف الصهيوني وهذا الإجرام الذي يستهدف العاصمتين بيروت وطهران، بعد استهداف العاصمة السورية دمشق مراراً وانتهاك سيادة الدول وضوابط القانون الدولي والمواثيق الدولية، لا يدل إلا على خروج الكيان الصهيوني المارق عن الخطوط الحمر التي رسمت له سابقاً حفظاً لماء وجه الأنظمة العربية الصديقة من ناحية، وحرصاً على أمن إسرائيل والمصالح الأمريكية الإسرائيلية المشتركة من ناحية ثانية، فبعد اقتراب دخول معركة طوفان الأقصى شهرها الحادي عشر، وبعد توقف ميناء إيلات عن العمل كلياً، وتهديد ميناء حيفا وحقل كاريش، وشلل القطاع السياحي بالكامل وانهيار الاقتصاد الإسرائيلي ونزوح مئات الآلاف من الشمال وهجرة اليهود الأوروبيين عبر مطار بن غوريون إلى غير عودة وتململ الضباط والجنود والانشقاق في صفوف الجيش ورفض (الحريديم) للخدمة العسكرية الإلزامية وتظاهرات أهالي الأسرى وغضبهم من تفعيل قانون هنيبال والخسائر الفادحة التي منيت بها الصناعات العسكرية وتعطل المدارس والجامعات وغير ذلك مما لم تعتد عليه إسرائيل في حروبها الخاطفة الحاسمة مع العرب، لم يبقَ من خيارات أمام نتنياهو المجرم إلا توسيع دائرة الحرب مهما كانت التكاليف عالية وفادحة، وإدخال الولايات المتحدة وقواعدها العسكرية المنتشرة في المنطقة في أتون هذه الحرب كما فعلت في الماضي عندما أقدمت بنفسها على اغتيال الحاج قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس في العاصمة العراقية بغداد، وكما فعلت في وقت غير بعيد عندما ضربت ميناء الحديدة في اليمن الشقيق، لأن إسرائيل في خطر وجودي ولأنه هو نفسه في خطر وجودي ولا تنتظره إلا المحاكمة والسجن وربما الاغتيال كما حدث مع رابين ، وقد عبر عن هذا الوضع أحد كبار الضباط الإسرائيليين السابقين حين قال : " نحن لسنا على حافة الهاوية كما يقولون وإنما نحن في الهاوية".
ما الذي ينتظره اليوم نتنياهو وتنتظره إسرائيل بعد انتهاك سيادة لبنان وسوريا واليمن والعراق و إيران في آن معاً؟
من المعروف في قواعد الاشتباك أن استهداف الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت يقابله استهداف حيفا فهذا أمر لا شك فيه ولا بد منه، والإخوة اليمنيون يعتبرون أن ميناء الحديدة يقابله ميناء إيلات، ولكن ما لا نعرفه هو كيف يكون الرد الإيراني على انتهاك سيادة طهران، وقد ظهر اليوم تصريح من الإمام الخامنئي لوسائل الإعلام قال فيه : " إن إسرائيل قد أقدمت على اغتيال ضيف في منزلنا ولتنتظر منا ردًّا قاسياً".
نعم إن الولايات المتحدة تنسج كفنَ إسرائيل وتدق المسامير في نعشها كما يقول الإسرائيليون أنفسهم وعبر شاشاتهم ولا يعنيها إلا تحقيق مصالحها، ولكي نكون موضوعيين أكثر فربما يكون ذلك من أجل فرض تسوية نهائية بإقامة دولتين وفقاً لقرارات مجلس الأمن التي باتت مهزلةً في نظر شعوب الأرض : دولة عربية على حدود 1967 ودولة عبرية، وبالتالي إقناع المتطرفين الصهاينة بأن لا بديل عن هذه التسوية، لتقوم أمريكا بتصفير النزاعات في منطقتنا ومواجهة روسيا والصين في غير مكان، ولكن قناعة كل حر عربي ومسلم بأن فلسطين حق للشعب الفلسطيني الكنعاني بحدودها الطبيعية من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الأردن ومن غزة وبير السبع إلى إصبع الجليل، وأن إسرائيل خطر وجودي على المنطقة بأسرها وعلى الإنسانية جمعاء، ولا يمكن التعايش معها في كرة أرضية واحدة، وأن لا بديلَ عن فلسطينَ إلا الجنة، و" أن ما أُخذَ بالقوة لا يستردُّ إلا بالقوة".