عبدالله قمح - خاصّ الأفضل نيوز
انطوى نجاح العدو الإسرائيلي في اغتيال القيادي الكبير في المقاومة الحاج فؤاد شكر المعروف في صفوف الحزب باسم "السيد محسن" في عمق الضاحية الجنوبية لبيروت على تغييرات وتبديلات واضحة في مفهوم تعاطي الحزب مع عمليات الاغتيال، بلغ حد التعبئة والتحشيد الواضحين بالاستناد إلى الموروث الثقافي للمقاومة المستمد من مرحلة ثمانينات القرن المنصرم حيث كانت نشأة الحزب وتشكله، وحيث خاض قتالاً عنيفاً مع الإسرائيليين في جبهات مختلفة لاسيما الجنوب منها اتسم بطابع ثأري واضح.
الآن يعود حزب الله إلى نفس الخطاب تقريباً، ما يعطي المواجهة التي يقوم بها على الحدود في مواجهة العدو الإسرائيلي مفهوماً مختلفاً، وكأنها المعركة باتت مصيرية إلى حدٍّ كبير، أو على الأقل يقتنع الحزب والمحور الذي ينتمي إليه أنها معركة مصيرية تحتاج إلى مواكبة مصيرية واستثنائية، بما في ذلك إعادة إحياء القيم القديمة.
وليس من مدولولات الأمر، أن العدو الإسرائيلي يتعاطى بدوره مع القتال الدائر حالياً إنطلاقاً من هذه الزاوية بوصفها معركة مصيرية أيضاً، إما تفتح إسرائيل على أفق جديد وبالتالي تعود إلى فكرة التوسع وفقاً لما يرغب به اليمين الصهيوني الديني، أو تذهب أكثر نحو التقوقع بما يعنيه ذلك من انهيار للفكر الصهيوني الديني ما يعني انتكاسات بالجملة لهذا المشروع، هذا إن لم نذهب صوب ما هو أكبر.
وطيلة الأشهر الماضية، رفعت الحكومة الإسرائيلية ثقافة الحرب وعممتها ورفضت أي صيغ لوقف إطلاق النار أو إيجاد حلول للأسرى بما في ذلك تقديم الرئيس الأميركي جو بايدن ما يقول إنها خطة طريق لوقف الحرب تعامل بنيامين نتنياهو معها باستخفاف، إنما يعود ذلك إلى رغبة لديها في استئناف القتال لغاية بلوغ مرحلة إجراء تغييرات جذرية، اجتماعية وجغرافية على قطاع غزة بما يضمن طرد الفلسطينيين من أراضيهم أو محاولة طردهم عبر تحويل القطاع إلى منطقة غير قابلة للحياة بأي شكل.
وبات واضحاً أن إسرائيل هذه، تتعاطى بأفكار دينية محضرة سلفاً، وهي تطرح من وراء دعم القتال الحالي بهذا الزخم، نظريات تعود إلى فكرة الاحتلال والاستيطان بشكل واضح، وهذا غير مرتبط في قطاع غزة إنما أيضاً في جنوب لبنان وسط بروز تيار متشدد واضح داخل الجيش الإسرائيلي مدعوم بمستويات سياسية ودينية ويدفع صوب تحقيق هذا الطلب بالقوة العسكرية. لذلك يدعو مثلاً بنيامين نتنياهو إلى إنشاء منطقة "تسمى آمنة" عند الحافة الأمامية للقرى الجنوبية، والمقصود من خلفها على ما هو واضح، إنشاء موطئ قدم للجيش الإسرائيلي يعتقد أن من الممكن أن يعيد احتلال مناطق في الجنوب اللبناني بصرف النظر عن مدى القدرة على تحقيق ذلك من عدمه، أو بصرف النظر عن القوى الداعمة له على أنه مشروع موجود، يقابله آخر مماثل في قطاع غزة تحديداً، حيث ارتفع الخطاب اليميني والحكومي الإسرائيلي منذ مدة ليدعو إلى إعادة الاستيطان في قطاع غزة، فيما ذهبت شركات إلى مشروع بيع أراضٍ وعقارات على الشاطئ الغزاوي!
هذا كله، إلى جانب طريقة العمل العسكرية الإسرائيلية التي وصلت إلى حد القتل الوحشي وارتكاب المجازر بطريقة غير معهودة، وتعمد استخدام أسلوب واضح من التصفية الجسدية للمقاومين بحيث يتقصد تقطيع الجثامين إلى أشلاء أو تغيير ملامحها ومعالمها كفكرة يمكن استخدمها في مجال تعميم ثقافة الخوف من المصير، كله يدفع ليس فقط حزب الله بل تيارات محور المقاومة بشكل عام إلى تبني الأفكار الاستشهادية، أو تبني النزعة الاستشهادية ضمن العمل العسكري على اعتبار أن المعركة باتت مصيرية في قتال شرس لا هوادة فيه، بحيث تصبح مثلاً الدعوة إلى الثأر والقتال أولوية تتفوق على ما عداها. أما وسم خطاب السيد حسن نصرالله وخلفية خطابه باللون الأحمر وانتشار رايات حزب الله الحمراء قديمة العهد التي تحاكي الثأر لا يبدو أمراً عابراً إنما مدروساً ويحاكي مرحلة جديدة.