كمال ذبيان - خاصّ الأفضل نيوز
يُوصف رئيس الحزب التّقدمي الاشتراكي السّابق وليد جنبلاط، بأنّه متقلّب سياسيًّا، ويتموضع وفق مصالحه السياسيّة، فهو انتقل خلال نحو نصف قرن من تسلّمه الزّعامة الجنبلاطية، بعد اغتيال والده في ١٦ آذار ١٩٧٧، من العداء لسوريا، إلى التّحالف معها، وهي احتضنته سياسيًّا، ودعمته عسكريًّا في حرب الجبل، وكانت له الكلمة الأولى عند مراكز القرار في القيادة السّوريّة، وعندما حصلت تحوّلات في المنطقة، لا سيّما بعد الغزو الأميركي للعراق، وقف ضدَّ سوريا ولم يعد يلبّي احتياجاتها السّياسيّة وفي لبنان، كمثل انتخاب العماد إميل لحود رئيسًا للجمهورية في العام ١٩٩٨ و٢٠٠٤، حيث ظنَّ أنَّ الزَّمن هو لأميركا، التي سار معها في لبنان، بعلاقته المميّزة مع سفيرها جيفري فيلتمان، فحاول استغلال تلك اللّحظة وطالب بانسحاب القوّات السّوريّة من لبنان، كما أنّه رفع في أيلول عام ٢٠٠٠، وبعد تحرير لبنان من الاحتلالِ الإسرائيليِّ شعار "لبنان هانوي أو هونكونغ"، في إشارة واضحة أن يسلّم "حزب اللّه" سلاحه إلى الجيش، ولم يعد للجيش السّوري من مبرّر لوجوده بعد الانسحاب الإسرائيليّ من لبنان، والتقى مع البطريرك الماروني الرّاحل نصرالله صفير على رفض سلاح "حزبِ اللّه" وخروج الجيش السّوري من لبنان، فكانت مصالحة الجبل عام ٢٠٠١، وبذلك يكون جنبلاط قد تموضع مع فريق غير حليف لسوريا والمقاومة، وذهب إلى حدّ الخصومة مع النّظام السّوري، بعد تولّي بشّار الأسد رئاسة الجمهوريّة بعد وفاة والده حافظ الأسد، فعمد بشّار الأسد إلى تغيير الفريق السّوري الذي كان يشرف ويدير ملف لبنان، وأبرزهم عبد الحليم خدام وحكمت الشّهابي وغازي كنعان، وهذا ما يشكّل قلقًا لدى حلفاء هذا الثّلاثي في لبنان، ومنهم رفيق الحريري، الذي بدأ ينتهز الفرصة للانقلاب على سوريا أيضًا، فصدر القرار ١٥٥٩ عن مجلس الأمن الدّولي في ٢ أيلول ٢٠٠٤، الذي طالب بنزع سلاح "حزبِ اللّه" وانسحاب القوّات السوريّة، ورفض التّمديد لـ "لحود".
فكان جنبلاط رأس حربة ضدَّ سوريا، التي رفع العداء ضدَّ نظامها ورئيسها، إلى أن حصلت المصالحة السّوريّة - السّعوديّة عام ٢٠٠٩، عاد جنبلاط إلى دمشق ومعه سعد الحريري، حيث سبق ذلك أحداث ٧ أيار ٢٠٠٨، التي دفعت "حزب اللّه" إلى الدّفاع عن سلاح الاتصالات لديه، وكان جنبلاط أكثر الذين طالبوا بتفكيك الشّبكة الهاتفيّة، واعترف بعد ذلك بارتكابه الخطأ، كما أنّه وقف ضدَّ خطف جنديين إسرائيليّين في ١٢ تموز ٢٠٠٦، والذي تسبّب بحرب على لبنان.
بهذه المواقف الأساسيّة، ظهر جنبلاط منذ العام ٢٠٠٠، وكان يقرأ خطأ، لأنّه تلقّى معلومات أميركيّة، بأنَّ الأسد لن يحكم في سوريا، وأنَّ "حزب اللّه" سيفرض عليه تسليم سلاحه.
لكن بعد ربع قرن، رأى جنبلاط الأب أنَّ رهاناته على سقوط النّظام السّوري، وانتهاء دور "حزبِ اللّه"، لم تكن صائبة، فحاول التّموضع في الوسط، وأنهى ما كان يسمّى"قوى ١٤ آذار"، وتقرّب أكثر من تحالفه مع الرّئيس نبيه برّي، الّذي هو حليف "حزبِ اللّه"، فنجح رئيس مجلس النّواب بإعادة الحوار بين المختارة وحارة حريك، وقد سال دم من الطّرفين في أحداث ٧ أيّار وغيرها، ومنهم زعيم المختارة، أنَّ موازين القوى لم تعد لصالح مراهناته الأميركيّة والسّعوديّة، التي أعادت علاقتها مع سوريا، فقرّر جنبلاط التّموضع في "محور المقاومةِ"، فحيّا عمليّة "طوفان الأقصى"، وأيّد مساندة "حزبِ اللّه" لغزّة، على أن لا تتوسّع الحرب، حيث لقي موقعه ترحيبًا واسعًا من قيادة "حزب اللّه" وحاضنته الشّعبيّة، فجاءت عمليّة قصف إسرائيل لمجدل شمس في الجولانِ المحتلِّ ليبرئ جنبلاط"حزب اللّه" منها، ويدعو إلى وأد الفتنة، فكان موقفه متقدّمًا، فأرسل له الأمين العام لـ "حزبِ اللّه" السّيّد حسن نصر اللّه، رسالة شكر وامتنان على موقفه الدّاعم للمقاومة، وأعطى جنبلاط صدقيّة له، بتقديم العزاء في الضّاحيةِ الجنوبيّةِ بالشّهيد فؤاد شكر أحد القادة الكبار في المقاومةِ، فكانت زيارة العزاء تأكيد على تموضع جنبلاط في محور المقاومةِ في لبنان وفلسطين.