طارق ترشيشي - خاص الأفضل نيوز
أثناء زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخيرة لكوريا الجنوبية واللقاءات التي عقدها هناك مع نظيره الصيني شي جين بينغ وآخرين، أطل أحد أعضاء الحزب الجمهوري الأميركي، توم حرب (اللبناني الأصل والقريب من الرئيس الأميركي)، عبر قناة "فرانس 24" ليشرح كيف أن ترامب يعتمد سياسة "السلام عبر القوة" في منطقة الشرق الأوسط والعالم لفرض الاتفاقات والتسويات. ولفت حرب إلى أن ترامب استعمل هذا الأسلوب مع حركة "حماس" وفرض عليها التسوية التي أوقفت الحرب في قطاع غزة، وأنه سيستعمله مع حزب الله في لبنان. ويبدو أن ما يُحكى عن حرب إسرائيلية كبيرة قد تُشن على الحزب في المديين المنظور أو القريب يرتبط وثيقًا بـ"السلام عبر القوة".
فهل لبنان مشمول فعلًا بهذه السياسة الترامبية، وهل هو ذاهب في هذا الاتجاه خلال الفترة المتبقية من السنة الجارية في ظل الأحداث والتطورات الإقليمية الجارية؟
تقول أوساط سياسية مواكبة للحركة الأميركية لموقع "الأفضل نيوز": "أن ترامب يروج لمفهوم "السلام عبر القوة" كمنهج أساسي لسياسته الخارجية، وهذا المفهوم يعتمد على استخدام القوة والردع لتحقيق "الاستقرار" وفق الرؤية الأميركية. أما بالنسبة للبنان تحديدًا، فالصورة واضحة جدًا، حيث إن مواقف ترامب العلنية، ولا سيما تلك التي أعلنها في خطابه الأخير أمام الكنيست الإسرائيلي، تؤكد أن لبنان في صلب هذه السياسة، إذ أكد صراحة دعمه لرئيس الجمهورية العماد جوزيف عون في "مهمة نزع سلاح حزب الله"، واصفًا الحزب بأنه "خنجر انكسر".
وتضيف هذه الأوساط أن كلام ترامب هذا لم يكن مجرد مواقف إعلامية، بل يكشف وجود تحرك عملي لترجمته، وقد جاءت زيارة الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس الأخيرة للبنان لتقييم الوضع مباشرة واختبار مدى قدرة السلطة اللبنانية على السيطرة، عاكسة توجهًا أميركيًا لمنح "ضوء أخضر مشروط" لأي تحرك إسرائيلي محتمل في حال لم يتم نزع سلاح حزب الله.
وفي السياق، فإن السيناتور الأميركي ليندسي غراهام، الوثيقة الصلة بترامب، شدد هو الآخر على ضرورة نزع سلاح حزب الله كشرط مسبق لتحقيق "السلام الحقيقي" في المنطقة، ما يعزز هذا التوجه.
من ناحية أخرى، يبدو أن الموقف الرسمي اللبناني يتجه إلى القبول بمسار لتفاوض غير مباشر مع إسرائيل (ربما خلال لجنة الميكانيزم)، بدليل دعوة الرئيس عون أخيرًا إلى هذا التفاوض على غرار ذلك الذي حصل عام 2022 وأدى إلى اتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. لكن حتى الآن يبدو أن التفاعل الإسرائيلي والأميركي مع دعوة عون ما زال سلبيًّا.
ولكن خطاب ترامب والإجراءات الدبلوماسية الجديدة التي بدأت إدارته في اتخاذها تؤكد أن لبنان يُعد جزءًا واضحًا من سياسة "السلام عبر القوة" التي تعتمدها واشنطن، وهي تقضي بإرغام لبنان على نزع سلاح "حزب الله" كشرط لأي سلام أو استقرار مستقبلي.
وعلى أن رؤية ترامب للشرق الأوسط عمومًا تعتمد على مفهوم "السلام عبر القوة"، والذي يعني تحقيق "الاستقرار" من خلال التفوق العسكري والردع، وليس عبر المفاوضات الطويلة، وقد طبق ترامب هذا المفهوم على لبنان من خلال الربط المباشر بين السلام وسلاح "حزب الله"، حيث إنه في خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي قال إن "خنجر حزب الله المصوب إلى إسرائيل انكسر تمامًا"، وأكد دعمه للرئيس عون "في مهمة نزع سلاح الحزب". وكذلك من خلال الضغط الدبلوماسي الشديد الذي عبرت عنه أورتاغوس من خلال زيارتها الأخيرة للبنان، عاكسة تحولًا من "التسامح السلبي" إلى "آلية تحقق فعالة" لفرض شروط ما بعد الحرب والتحقق من التزام لبنان بنود وقف إطلاق النار.
ويتبين من كل هذه المعطيات أن الإدارة الأميركية تعمل على مسارات عدة لتنفيذ سياستها في لبنان، وهي:
- أولًا: الدعم السياسي للسلطة اللبنانية بشرط أن تعمل على "نزع سلاح حزب الله وحصره بيد الدولة".
- ثانيًا: الضغط الدولي المشترك عبر موازنة الضغط الأميركي بدفع عربي، كما ظهر في قمة شرم الشيخ، حيث تم الربط بين المساعدات الاقتصادية وإعادة الإعمار وبين "نزع السلاح التدريجي" من القوى اللبنانية المسلحة ومن ضمنها حزب الله.
- ثالثًا: التنسيق الأمني والاستخباراتي، حيث إن زيارة أورتاغوس هدفت إلى اختبار آليات الاستقرار في جنوب لبنان وتقييم ما إذا كان خطاب "حزب الله" عن الاستعداد العسكري يعكس قدرات حقيقية أم هو "حملة تضليل" لإخفاء الضعف.
لكن هذه السياسة الأميركية تثير ردود فعل داخلية لبنانية متباينة يمكن تحديدها بالآتي:
- الموقف الرسمي تمثل بإعلان الرئيس عون "أن لبنان لا يمكن أن يكون خارج مسار التسويات"، ودعا إلى التفاوض "بالحوار لا بالسلاح"، مشيرًا إلى أن الأوضاع الإقليمية تتجه نحو التفاوض، مستذكرًا نجاح المفاوضات غير المباشرة عام 2022 في ترسيم الحدود البحرية.
- موقف "حزب الله" هاجم ما وصفه بـ"السلام الأميركي" واعتبر أن عدم دعوة لبنان إلى قمة شرم الشيخ يمثل "إهانة سياسية" لمن يعتمدون على السياسة الأميركية.
وفي رأي بعض الأوساط السياسية المعنية، فإن هذه المعطيات تضع لبنان أمام سيناريوهات عدة محتملة:
- السيناريو الأول: تفعيل آلية "الضوء الأخضر المشروط" التي قد تمنح واشنطن إسرائيل من خلالها الضوء الأخضر لشن عمليات محدودة إذا ثبت أن "حزب الله" يعاود تسليح نفسه، وذلك بعد أن تكون واشنطن قد تحققت من هذا الأمر وحذرت منه.
- السيناريو الثاني: تعثر مسار التفاوض إذ لا توجد حتى الآن أي مؤشرات على استعداد إسرائيلي للتفاوض غير المباشر مع لبنان في المدى القريب، وكل ما صدر من تعليقات إسرائيلية جاء سلبيًا جدًا، لأن إسرائيل تريد للمفاوضات أن تكون مباشرة.
وفي أي حال، وحتى إشعار آخر، فإن لبنان موجود في قلب سياسة ترامب القائمة على منطق "السلام عبر القوة"، ما يجعله أمام خيارين معقدين: إما الانصياع للضغوط الدولية والسير في تسوية قد تكون شروطها قاسية، أو التعرض لحرب إسرائيلية قد تكون مدمرة في ظل انعدام توازن القوى.

alafdal-news



