عماد مرمل - خاصّ الأفضل نيوز
لم تسفر الجولة الأخيرة من المفاوضات في الدوحة عن نتائج حاسمة في اتجاه التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار في غزة، ومع ذلك اعتبر "الرعاة" القطريون والمصريون والأميركيون، عبر بيانهم المشترك، أن هذه الجولة كانت ايجابية وبنّاءة. واللافت، أن واشنطن هي أكثر من تعمد الترويج لانطباعات متفائلة و"متضخمة" حول حصيلة مفاوضات الدوحة، وصولا الى الايحاء بأن إنجاز الاتفاق النهائي بات قريبا، خلافا لما أعلنت عنه حركة حماس التي أكدت أن ما طُرح عليها يشكل تراجعا عما كان قد تم الاتفاق عليه في السابق استنادًا إلى طرح جو بايدن نفسه.
ولكن، لماذا يسبح الأميركيون عكس التيار ويسوّقون وقائع غير دقيقة تعكس أمنياتهم وليس الحقائق؟
غالب الظن، أن واشنطن المتخوفة من تدحرج الإقليم الى حرب شاملة على غير توقيتها، تعتمد سياسة تقطيع الوقت وبيع الأوهام، حتى لو كلفها ذلك التضحية بمصداقيتها أو بما تبقى منها، ذلك أن الأولوية بالنسبة إليها خدمة مصالحها، وكل الوسائل هي في خدمة هذه الغاية.
ولأن الإدارة الأميركية قلقة من أن يؤدي أي تصعيد إضافي في المنطقة الى توريطها بما لا تريده حاليا والى قلب الطاولة عليها بدل أن تكون جالسة على رأسها، فهي تقصدت أولا أن تبالغ في تعميم مناخات إيجابية حول مباحثات الدوحة قبل حصولها بغية تعطيل أو إرجاء الرد المرتفب من إيران وحزب الله خشية من تداعياته المحتملة، ثم لجأت ثانيا الى تحوير حصيلة تلك المباحثات عبر تهميش الخلافات الأساسية التي لا تزال موجودة بين العدو وحماس، وتضخيم حجم التقدم المزعوم، وذلك لتبرير شراء أسبوع جديد من الانتظار، على قاعدة استكمال البحث في التفاصيل العالقة (حيث يكمن الشيطان أصلا) بواسطة لجان فنية، وتحديد موعد آخر لاجتماع كبار المسؤولين المعنيين بالوساطة في نهاية الأسبوع.
بهذا المعنى، تحاول واشنطن إيهام الجميع، خصوصا طهران وحزب الله، بأن ولادة اتفاق وقف إطلاق النار صارت قريبة وباتت في مراحلها الأخيرة ويجب عدم فعل اي شيء يمكن أن يهدد "الجنين" تحت طائلة تحمل تبعات إجهاضه، ما يوحي بأن الإدارة الاميركية تسعى الى تحميل محور المقاومة "عبء أخلاقي" وانتزاع أطول "فترة سماح" ممكنة منه فيما هو يتوثب للرد على اغتيال الشهيدين اسماعيل هنية وفؤاد شكر.
كذلك، تربد واشنطن من خلال هذا التكتيك التفاوضي إحراج حماس وحشرها في زاوية ضيقة لدفعها الى القبول بما هو مطروح عليها، حتى لا تبدو في موقع من ينسف الإيجابيات المزعومة ويطيل أمد معاناة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
ولعل الجانب الأميركي يفترض أن الموقف القطري - المصري، المتقاطع معه وفق البيان الأخير الصادر عن مفاوضات الدوحة، يمكن أن يزيد الضغط على حماس ويفرض عليها في نهاية المطاف أمرا واقعا لا تستطيع تجاوزه.
وقد ردت حماس على محاولة تشويه الحقيقة بسرد روايتها لمسار جولة المفاوضات الأخيرة، موضحة أنها وبعدما استمعت للوسطاء عمّا جرى في الدوحة، تأكد لها مرة أخرى بأن نتنياهو لا يزال يضع العراقيل أمام التوصل لاتفاق بهدف إفشال جهود الوسطاء وإطالة أمد الحرب.
ولفتت الحركة الى إن المقترح الجديد المطروح يستجيب لشروط رئيس حكومة العدو ويتماهى معها، خصوصا لناحية رفضه الوقف دائم لإطلاق النار، والانسحاب الشامل من قطاع غزة، وإصراره على مواصلة احتلال مفترق نتساريم ومعبر رفح وممر فيلادلفيا، "كما أنه وضع شروطا جديدة في ملف تبادل الأسرى، وتراجع عن بنود أخرى، ما يحول دون إنجاز صفقة التبادل."
والمفارقة الأكبر في هذا المجال أن الضغوط الدبلوماسية تتركز على الضحية الفلسطينية لانتزاع التنازلات منها، في حين أن المطلوب الضغط الجاد على المعتدي الإسرائيلي بالدرجة الأولى، الأمر الذي لا تزال الولابات المتحدة تتفاداه، علما أن حماس أظهرت، ولا تزال، مقدارًا كبيرًا من المرونة في سياق المفاوضات، لكن من دون أن تتخلى عن معيار أساسي وهو أنها لا يمكن أن تقدم للعدو بالسياسة ما عجز عن أخذه بالقوة.