إسلام جحا - خاصّ الأفضل نيوز
كتب ابن غزةَ "إبراهيم الغولة" على منصّة فيسبوك منشورًا قال فيه: "لا أريد أن أنتهيَ في كيسٍ. أتنازل عن كلِّ شيءٍ عدا موتي. أريد كفنًا كاملًا طوله 192 سم، لن أتنازل عن جثَّتي، أريدها كاملةً. أريد ذراعي وقدمي وقلبي ورأسي وأصابعي العشرين وعينيّ أيضًا... أريد أن أعود إلى رحم الأرض كما خُلقتُ منها، الأرض نفسها هنا في هذا البلد. لا أمانع إن دُفنت في قبرٍ جماعيٍّ، لكنِّي أريد اسميَ على "الشاهد"، وعمري كذلك، وأنِّي هنا من هذا الوطن الذَّبيح، وأودُّ برجاءٍ حدَّ المرارة، أن يكون قبري في مقبرةٍ حقيقيَّةٍ، لا في شارعٍ ولا على رصيفٍ كأمنيةٍ أخيرة لنا، وحق لنا، الوداع".
بعد كتابة هذا المنشور بساعات قليلةٍ، تلقَّى رجال الهلال الأحمر الفلسطينيِّ بلاغًا بقصفٍ صهيونيٍّ استهدف منزلًا في شارع "التّلاتينيّ" قي غزَّة، فسارعوا لينتشلوا الضَّحايا من بين الرُّكام، وكانت المفاجأة أنَّ أوّل الضَّحايا هو "إبراهيم الغولة" الذي استُشهد مع أفرادٍ من عائلته.
لم تعد أمنية أهالي غزة النَّجاةَ من الحرب، بل الموت بأجسادٍ كاملة. في فلسطين يبلغ التَّسليم للواقع حدَّ الموت بكرامة لا العيش بكرامة، مع القتل العشوائيّ والمتواصل لآلة الاحتلال للشّهر الحادي عشر على التّوالي. ولكن حتى الموت ليس نهاية الرّحلة بالنسبة للشهداء؛ فالعدو الصُّهيونيُّ يمارس جرائمَ مزدوجةً بقتل المدنيّبن وتقطيع أجسادهم التي باتت غير معروفةِ المعالم وتنسبُ بالكيلوغرامات، والأفظع من كلِّ هذا هو سرقة من سَرق الأرضَ وانتهك المقدّسات لأجساد الشّهداء من فوق الأرض ومن تحتها؛ بطرقٍ ترتقي إلى مستويات الجرائم الكبرى مكتملة العناصر.
أرقامٌ مخيفةٌ أعلن عنها جهاز الدّفاع المدنيّ في قطاع غزّة، حيث رصد ما اعتبره تبخر جثامين 1,760 جثةً بسبب استخدام جيش الاحتلال أسلحةً محرّمةً دوليًّا، ولم يتمَّ تسجيلهم في وزارة الصِّحَّة في السِّجلات المختصَّة. كما تمكّن الجهاز أيضًا من رصد اختفاء 8,240 جثّةً قسرًا لا يُعلم مصيرُهم منذ اندلاع الحرب في غزّة وحتّى الآن. وأعلن الدِّفاع المدنيُّ أيضًا اختفاء 2210 جثامين من مقابرَ متفرّقةٍٍ في غزّة ومن المناطق التي كانت تستهدفها القوات الصّهيونيّة.
إنّ قيام الاحتلال بإلقاء ما يزيد على 85 ألف طنٍّ من المتفجِّرات تسبَّب في دمار أكثر من 80٪ من البنى الحضريّة لقطاع غزة، وقرابة 90٪ من البنى التّحتيّة ومنها قرابة 17٪ أسلحة لم تنفجر، وتعتبر مخلفاتٍ خطيرةً تتسبّب في خطر كبير، حيث أدّت إلي مقتل 90 طفلًا، نتيجة العبث بها، لا سيّما وأنَّ بعضها يشبه معلّبات الطّعام.
وأكّد الجهاز وجود 10 آلاف مفقودٍ تحت المباني لم يتمكّنوا من انتشالهم بسبب تواصل الاعتداءات على القطاع، واستهداف الجيش المركبات، ومن المرجّح أن هؤلاء المفقودين تحللّت أجسادهم تحت الرّكام، أو دُفنوا في مقابر جماعيةٍ، أو سرقت أجسادهم دون علم ذويهم.
ونهاية ديسمبر الماضي، كشف المكتب الإعلاميُّ الحكوميُّ في قطاع غزة عن سرقة قوّات العدوّ الأعضاءَ الحيويّة من جثامين 80 فلسطينيًّا من ضحايا الحرب. وهذه ليست المرَّة الأولى التي يكثر فيها التَّخوُّف من سرقة الأعضاء، فالمركز الأورومتوسطيّ تحدَّث عن احتجاز جثامين الشُّهداء التي أفرِج عن بعضها بعد مطالباتٍ جرت بهذا الخصوص، وسُلّمت إلى اللَّجنة الدَّوليَّة للصَّليب الأحمر، فيما لا تزال آلاف الجثامين محتجزةً، وآخرها ما تحدّثت عنه صحيفة هآرتس العبريّة من أنّ 1500 جثةٍ لأسرى لا تزال محتجزةً داخل معتقل "سدي تيمان" الذي بات يُعرف بـ"غوانتنامو إسرائيل".
ويرتكب العدوُّ جريمةَ حربٍ وجريمةً ضدَّ الإنسانيّة والأعراف والمواثيق الدَّوليَّة ومبادئ حقوق الإنسان بانتهاك حرمة الجسد وكرامة الإنسان، وهي جرائم تعاقب عليها المحاكم الدَّوليّة، خصوصًا أن الاحتلال يمتلك أكبر بنك للأعضاء في العالم، بلغ احتياطيّ الجلد فيه 170 مترًا مربعًا، يُعتقد أنّ هذه العيّنات مسروقة من جثامين الشهداء الفلسطينيّين حسب تحقيق بثته القناة العاشرة العبريّة عام 2014. فهل ثمَّة من يوقف هذه الجرائم التي ترتكب يوميًا بحقِّ الأحياء والشُّهداء في غزَّة...؟