عماد مرمل - خاصّ الأفضل نيوز
مع تعثر آخر محاولات "اقتناص" اتفاق على وقف إطلاق النار في غزة بعد جرعة التفاؤل الوهمي التي ضختها الدبلوماسية الأميركية في عروق المفاوضات، طفت علي السطح مجددا الأسئلة حول ما إذا كان لبنان والإقليم يقتربان من لحظة الانفجار الكبير والحرب الشاملة، كانعكاس تلقائي لانسداد الشرايين السياسية.
وما رفع منسوب تلك الأسئلة عاملان، الأول التهويل المتعمد من قبل جهات خارجية وبعض الشخصيات اللبنانية التي هي على خصومة مع حزب الله وتخوض حربا نفسية ضده، والثاني التصعيد الميداني في أكثر من اتجاه، وصولا إلى البقاع الآخذ في التحول "جبهة أساسية"، مع تلاحق الغارات الإسرائيلية عليه، في محاولة من قبل العدو لتكريس التعديل في قواعد الاشتباك وتوسيع رقعته الجغرافية، الأمر الذي تواجهه المقاومة بتثبيت معادلة الجولان مقابل البقاع.
وعلى المستوى السياسي، يبدو أن عناد نتنياهو الذي يرفض الانسحاب الشامل من غزة والوقف الدائم لإطلاق النار، بات يدفع أكثر فأكثر نحو تطور المواجهة العسكرية، خصوصا أن واشنطن لا تزال تتفادى ترويضه والضغط عليه، بل إن زيارة وزبر الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لتل أبيب نزعت بقايا الأقنعة والمساحيق عن الوجه الحقيقي لإدارة جو بايدن التي انحازت إلى مقاربة نتنياهو لصفقة وقف إطلاق النار، ليس فقط على حساب دور الوسيط المفترض بل أيضا على حساب مصداقية بايدن نفسه، ذلك أن المقترح الأميركي المحدّث يتنصل من طرح الرئيس الأميركي الأصلي الذي سبق لحماس أن قبلت به.
ولكن، هل الجمع بين تعنت نتنياهو والتواطؤ الأميركي والتصعيد الميداني والرد المرتقب من إيران وحزب الله والرد المضاد المفترض من الكيان الإسرائيلي، يفضي حكما إلى أن كفة الحرب الشاملة باتت هي الراجحة في هذه المرحلة؟
نظريا، توحي العوامل المشار إليها بأنها قد تشكل صاعق تفجير لحرب واسعة، لكن الحسابات العملية تُبيّن أن هذا الاحتمال غير حتمي وأن حضوره قد يكون قويا على الورق لكنه ليس كذلك على الأرض، وذلك للأسباب الآتية:
_ الحكمة التي تدير بها المقاومة معركتها، ونجاحها في صنع التوازن الدقيق بين إسناد غزة والرد على الاعتداءات الإسرائيلية التي تستهدف لبنان وبين تفادي إعطاء العدو ذرائع لشن عدوان واسع وبالتالي هي لا تزال تجيد ضبط إيقاع المواجهة على خط حافة الهاوية حتى لو ضاقت تلك الحافة أحيانا.
_ إظهار حزب الله الجهوزية التامة لخوض الحرب الشاملة إذا فُرضت عليه وتأكيد عدم خشيته منها، ذلك أن أفضل طريقة لإبعاد تلك الحرب هي الاستعداد لها والتوثب لخوضها، وقد أثبتت تسجيلات الهدهد وعماد 4 أن المقاومة على أتم الاستعداد لهذا الاحتمال، والأرجح أن الرسائل المصورة، ببعديها الردعي والهجومي، وصلت إلى تل أبيب على الرغم من محاولات الإنكار.
_ صحيح أن نتنياهو يستدرج العروض لحرب واسعة في الإقليم تغطي على مركزية الصراع داخل فلسطين وعليها، وتسمح له وفق ظنه بتصفية حساباته مع إيران، لكن الأكيد ان نتنياهو غير قادر لوحده على تحمل أعباء هذا الخيار وتبعاته وسط التخبط المتواصل لجيشه في غزة، ولذا فهو لا يستطيع الذهاب إلى حرب كبرى مع حزب الله وطهران من دون أن تكون الولايات المتحدة مشاركة بل شريكة فيها عسكريا، والظاهر حتى الآن أن واشنطن لم تغير اقتناعها بأن ليس من مصلحتها الانزلاق إلى مثل هذا المستنقع قبل وقت قصير من الانتخابات الرئاسية.
لهذه الاعتبارات، تظل المواجهة الكبرى مستبعدة حتى إشعار آخر على الرغم من كل المظاهر المعاكسة، إنما من دون أن يعني ذلك النوم العميق على حرير، إذ إن جنون نتياهو قد ينسف الحسابات المنطقية فجأة.