نوال أبو حيدر - خاصّ الأفضل نيوز
تضيّق الأزمة الاقتصادية والمالية والسياسية وما ترتب عنها على خيارات اللّبنانيين في الحياة، لتؤثر بشكلٍ كبير على "الديموغرافيا اللّبنانية"، حيث شهدت تحوّلات سريعة بفعل عوامل عديدة، كالهجرة اللّبنانية إلى الخارج، حركة اللجوء باتجاه لبنان وتراجع مستوى الولادات والخصوبة بفعل تأثيرات اقتصادية وثقافية وغيرها.
فالأزمة أدّت إلى هجرة أعداد هائلة من اللّبنانيين، كما أوقفت القروض السكنية، وتمكّن الغلاء وارتفاع تكاليف الحياة الأساسيّة من تجميد قدرات المواطنين، الأمر الذي وقع عائقًا أمام الحالمين بالارتباط، فتراجعت نسبة عقود الزواج، أمّا الأمر الأهم يبقى في التراجع الملحوظ بنسبة الولادات خلال السنوات الماضية.
ولأنّ نسبة الإنجاب واحدة من المؤشرات الهامة في قياس الصحة الاقتصادية والاجتماعية للبلدان، باعتبارها تعكس عادات وتوجهات الأسر والأفراد في مختلف الدول، فتبرز المخاوف من انتقال المجتمع اللّبناني من حقبة مجتمع "الفتوة" إلى "الشيخوخة"، ما يدفع إلى دقّ ناقوس الخطر للسيناريو المُنتظر في المستقبل القريب إن استمرت الحال على ما هي عليه.
فما أسباب اهتزاز التركيبة الديموغرافية في لبنان وتراجع نسبة الولادات؟ ما انعكاساتها؟ وما الحلول؟
مصادر مطلعة تشرح عبر موقع "الأفضل نيوز" أنّ " التراجع في الولادات يعود إلى عوامل اقتصادية، كَون لبنان يواجه مشكلات مادية خانقة، حيث إنَّ الشظف في اضطراب الوضع المعيشي للمواطنين، وارتفاع معدلات البطالة، وتقلبات في سعر صرف العملة المحلية، وزيادة تكاليف المعيشة وتقليل قدرة الأسر على تحمل نفقات تربية الأطفال، حوّل الإنجاب إلى عبء اقتصادي كبير وسط هذه الأجواء، إن كان من الناحية التعليمية أو الاستشفائية أو الحياتية"، مشددةً على أنّ "ما يحصل في لبنان ليس بعيدًا جدًا عمّا يحصل عالميًا، فالعالم أجمع يواجه أزمة خصوبة وتراجعًا في المواليد".
وترى المصادر نفسها أنّ "انحطاط الخدمات الاجتماعية، كتدهور الرعاية الاجتماعية مثل الصحة والتعليم، سبب من الأسباب التي لها تأثير في تصميم الأسر في عدم الإنجاب".
وتوضح أنّ "تراجع معدلات الولادات يرتبط بعوامل أخرى متعددة منها المعتقدات الدينية والثقافية للسكان، البيئة الحضارية والريفية، وكذلك النظرة الشخصية للأمور إلى جانب المستوى المعيشي والدخل".
وتضيف المصادر: "يُعتبر الشباب الأكثر تأثرًا بارتفاع معدلات البطالة، نظرًا لأنهم يمثلون نسبة كبرى من القوى العاملة، لذلك، يعكس تضخم معدلات البطالة للظروف الاقتصادية والاجتماعية الحرجة التي يواجهها الشباب، والتي تشير إلى أهمية تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية لتشجيع الاستقرار والتنمية الإيجابية في المجتمع اللبنانّي".
إلى جانب ذلك، قد كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن العالم يمرّ بمرحلة ديموغرافية غير اعتيادية، فهو يعاني من تراجع بإنجاب الأطفال لدرجة مخيفة قد تتحوّل إلى خطر داهم في المستقبل، بإمكانه أن يهدد البشرية، وقريبًا سينخفض معدل الخصوبة العالمي إلى ما دون النقطة اللّازمة لاستبدال الوفيات بمواليد جدد.
وفي مواجهة تحديات انخفاض عدد السكان، تشدّد المصادر خاتمةً على "ضرورة تبني سياسات ومعالجات عاجلة تتماشى مع هذه التغيرات، ترفع من معدلات الخصوبة، تركز على خلق فرص عمل، تشجع على الاستثمار، تعزز الاستقرار في البلاد"، معتبرةً أنّ "جميع هذه السياسات المتكاملة والإصلاحية مهمة لضمان استجابة فعّالة، كما وأنّها تتطلب تنسيقًا بين السياسات الاقتصادية والاجتماعية والصحية التي تقع على عاتق الدولة اللبنانية، وإلّا الوضع سيكون كارثيًّا أكثر من أي وقت مضى".