نوال أبو حيدر - خاصّ الأفضل نيوز
مما لا شكّ فيه أن ضريبة القيمة المضافة قد لعبت دورا إيجابيا في لبنان خلال فترة محدودة، إذ ساعدت الحكومة على تأمين بعض الإيرادات المالية الضرورية لتغطية احتياجاتها الطارئة وتمويل بعض الخدمات العامة. فقد شكلت هذه الضريبة مصدرا سريعا نسبيا للدخل في ظل ضعف الجباية العامة وتراجع الموارد الأخرى. غير أنّ هذا الإجراء، على المدى الطويل، ألحق أضرارا ملحوظة بالاقتصاد والمجتمع، نتيجة افتقاره إلى العدالة الاجتماعية وإلى آليات تضمن توزيع العبء الضريبي بشكل متوازن بين مختلف الفئات.
فالضريبة على الاستهلاك، بطبيعتها، تُثقل كاهل المواطنين ذوي الدخل المحدود الذين ينفقون الجزء الأكبر من مداخيلهم على الحاجات الأساسية، في حين تبقى الفئات الأعلى دخلا أقل تأثرًا بها.
إذ تشير هذه المعطيات إلى أنّ أي سياسة ضريبية فعالة يجب أن تراعي القدرة الشرائية للمواطنين، وتوازن بين هدف الدولة في تأمين الإيرادات وبين ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية. فالغاية من النظام الضريبي لا تقتصر على جمع الأموال فحسب، بل تمتد إلى إعادة توزيع الثروة وتحفيز النمو الاقتصادي بشكل متكامل ومستدام. ومن هنا، يبقى السؤال المطروح بإلحاح: كيف يمكن تعديل أو إعادة تصميم النظام الضريبي في لبنان بما يحقق هذا التوازن الدقيق بين تأمين الإيرادات واستدامة العدالة الاجتماعية، خصوصا للفئات الأكثر ضعفا؟
انطلاقا مما سبق ذكره، يقول عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي نيس أبو دياب، لـ "الأفضل نيوز"، " إن الضريبة على القيمة المضافة تُعد واحدة من الضرائب الاستهلاكية الأساسية التي يعتمد عليها لبنان في تأمين إيراداته العامة، ووفقا لموازنة عام 2026، تُشكّل هذه الضريبة نحو 29 إلى 30% من إجمالي الإيرادات العامة، وما يقارب 69% من حجم الإيرادات الضريبية".
ويتابع: "فعليا، تُعدّ هذه الضريبة ضريبة على الاستهلاك، أي أنها تطال جميع الأفراد بشكل متساو، من دون الأخذ بعين الاعتبار قدراتهم الشرائية، الأمر الذي يُبرز عدم عدالتها الاجتماعية. ومع مرور الوقت، وبفعل التضخم وزيادة نسبتها، تتحوّل الضريبة على القيمة المضافة إلى ضريبة تنازلية، حيث يتحمّل ذوو الدخل المحدود العبء الأكبر منها مقارنةً بذوي الدخل المرتفع".
ما أهمية الضريبة؟
أما عن أهمية هذه الضريبة، فيشير أبو دياب إلى أنّها "مصدر سريع ومستدام للإيرادات، إذ تُمكّن الدولة من تأمين موارد مالية بشكل مستمر ومنتظم. ومع ذلك، يُلاحظ أنّه في لبنان يتم التهرّب من الضريبة على القيمة المضافة بطرق مختلفة، وهو ما تسعى وزارة المالية إلى الحدّ منه من خلال تطوير آليات الرقابة وتعزيز الشفافية في الجباية".
التداعيات الاجتماعية للضريبة
في سياق متصل، يرى أبو دياب أن "تداعيات الضريبة على القيمة المضافة تظهر بوضوح على المستوى الاجتماعي عندما تكون غير عادلة، أي عندما تُطبَّق على ذوي الدخل المنخفض والمتوسط والمرتفع بالمستوى نفسه ؛ ففي هذه الحالة، تفقد العدالة الضريبية معناها، إذ يتحمّل أصحاب الدخل المحدود العبء الأكبر نسبةً إلى مداخيلهم، ولهذا السبب، تعتمد بعض الدول نظام الضريبة النسبية على القيمة المضافة، أي أنها تُعفي السلع الأساسية التي تُشكّل حاجة يومية للمواطنين، بينما تفرض نسبا أعلى على السلع الكمالية أو طويلة الاستخدام أو الباهظة الثمن، تحقيقا لمبدأ العدالة الاجتماعية في النظام الضريبي".
ويضيف: "في لبنان، نحن بحاجة ماسّة إلى إعادة النظر في السياسة الضريبية بشكل عام، إذ لا يجوز أن تعتمد الدولة اللبنانية على أكثر من 70% من الضرائب غير المباشرة، في حين لا تشكّل الضرائب المباشرة سوى 20 إلى 30% من مجمل الإيرادات، وهو ما يفاقم التفاوت الاجتماعي ويضعف العدالة الاقتصادية".
البُعد الاقتصادي للضرائب
على الصعيد الاقتصادي، يؤكد أبو دياب أن "السياسة الضريبية تُعدّ جزءا من السياسات المالية والاقتصادية بشكل عام، فهي قد تأتي لتحفيز الاقتصاد أو لكبحه، لذلك، يجب أن يأخذ أي نوع من السياسات الضريبية، بما فيها الضرائب المباشرة، في الحسبان قدرتها على تحفيز المؤسسات وجذب الاستثمارات الأجنبية".
أهمية السياسة الضريبية المباشرة
من هنا، يرى أبو دياب أنه "لا بد من اعتماد سياسة ضريبية عامة تكون مباشرة على الأرباح والرساميل والثروات، بما يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية، كما يجب وضع سياسة حماية اجتماعية تهدف إلى تخفيف الأعباء الضريبية على الفئات المهمشة والفقيرة".
ويختم: "يجب الإشارة إلى أن أي اعتماد للسياسة الضريبية المباشرة يتطلب توفر بيانات دقيقة وكاملة عن المؤسسات والشركات وإجراء عمليات تدقيق فعّالة، هذا بدوره يتطلب كادرا وظيفيا كبيرا، وللأسف، يعاني القطاع العام في لبنان من ضعف الإدارة الرشيدة، الأمر الذي يجعل تحقيق هذه الأهداف أصعب، إلا أنه يمكن تسهيله من خلال المكننة والتحول الرقمي".

alafdal-news



