كتب نقولا ناصيف في "الأخبار":
دوران الاستحقاق الرئاسي في حلقة مفرغة هو في الواقع دورانه من حول الكثير الذي دار ولا يزال من أمامه ومن ورائه: مشكلته الأولى المرشح المسموح والمرشح الممنوع. مشكلته الثانية الخلاف من حول حوار يسبق انتخاب الرئيس أم يليه. مشكلته الثالثة أن عليه انتظار انتهاء حرب غزة ومن ثم اقفال جبهة الجنوب قبل الخوض فيه. مشكلته الرابعة أن صار عليه انتظار الانتخابات الرئاسية الأميركية كي تعاود واشنطن اهتمامها به. مشكلته الخامسة أن الداخل يعجز عن الاتفاق والخارج لا يريد راهناً إيجاد مخرج له. مشكلته السادسة الأحدث وليست الاخيرة أن الكلام بدأ خجولاً لكنه جدي عن ربطه بقانون الانتخاب توطئة للانتخابات النيابية العامة ربيع 2026. بذلك يصبح الاستحقاق الرئاسي أو يكاد ملحقاً بالمحطات هذه أكثر منه واجباً دستورياً معطلاً.
في أحاديثه الأخيرة، أبدى رئيس البرلمان نبيه برّي خشيته من أن يفضي استمرار الشغور وإطالة أمده إلى الوصول به إلى موعد انتخابات 2026. ليست هذه فحسب المشكلة التي دلّ عليها، بل تلميحه إلى أن ما ينتظر الانتخابات النيابية العامة المقبلة يتقدّم موعدها الداهم بما لا يقل عنه أهمية، وهو قانون الانتخاب.
باكراً تزايد الحديث همساً وعلناً، في موازاة الشغور، عن انقسام الأفرقاء من حول قانون الانتخاب النافذ المفترض أن انتخابات 2026 تختبر أحكامه للمرة الثالثة بعد عامي 2018 و2022 وان معدّلاً في المرتين السابقتين.
يُعزى الخوض المبكر في قانون الانتخاب لا في انتخابات 2026 - والواضح أنه هو لا هي المعضلة الفعلية - إلى واقع البرلمان الحالي الناجم عن انتخابات 2022 بكتل كبرى واخرى صغرى ونواب مستقلين على نحو أدّت طبيعة الائتلافات والتحالفات فيه في السنتين الاخيرتين في عمره إلى تشتت الاكثرية المطلقة.
تعذّر على أي فريق كما على أي تحالفات كتل بلوغها، ثم أتت جلسات انتخاب رئيس الجمهورية كي تعكس التشتت هذا سواء في امتلاك نصاب النصف زائداً واحداً أو في نصاب الثلثين. ادهى ما في أعراض البرلمان الحالي ذهبت ضحيته الى الآن على الاقل انتخابات رئاسة الجمهورية، إمساك الثنائي الشيعي بالمقاعد الـ27 كلها في طائفته وتقاسم كتلتين مسيحيتين كبريين التمثيل المسيحي بينما النواب السنّة موزّعو الولاء يفتقرون الى مرجعية. أما أدهى الأدهى فعبّرت عنه جلسات انتخاب الرئيس إلى الآن من خلال إدارة البلاد بفيتويْن مقلقين وخطرين هما الفيتو الشيعي والفيتو المسيحي الحائلان دون الوصول إلى رئيس للجمهورية.
ذلك ما أتاح أحاديث شتى أقرب إلى إشاعات عن ربط ضمني بين انتخاب رئيس للجمهورية واجراء انتخابات نيابية عامة جديدة. بعض الكلام المُساق طرح تساؤلاً قديماً - جديداً: مَن يسبق الآخر؟ انتخاب الرئيس أم انتخاب البرلمان. الاستطراد المكمّل للتساؤل هذا طرْح افرقاء انتخابات نيابية مبكرة توطئة لانتخاب الرئيس في ظل اعتقاد أن تفكك البرلمان الحالي سيحول في كل المرات دون الوصول إلى خاتمة الاستحقاق، وقد يفضي حكماً إلى تمديد ولاية مجلس النواب ما أن توشك على الانتهاء تفادياً لفراغ في السلطة الاشتراعية.
في اتفاق الدوحة عام 2008، في ظل شغور رئاسي آنذاك سنة قبل انتهاء ولاية مجلس النواب المنتخب عام 2005، كان قانون الانتخاب بنداً رئيسياً أقرب ما يكون إلى شرط ملازم لانتخاب الرئيس التوافقي حينذاك. خلافاً للاصول المفترض اتباعها ومكانها الاصلي في مجلس النواب، صار إلى تقسيم الدوائر الانتخابية في قطر، وكُرِّس التقسيم هذا في نص الاتفاق ملزماً البرلمان التصويت عليه في ما بعد. قانون الانتخاب ذاك برقم 25 الصادر في 8 تشرين الاول 2008 لم يعش سوى لدورة انتخابية واحدة.
المعضلة نفسها مرشحة لأن تتكرر في الاستحقاق الرئاسي الحالي المطابق للكثير مما رافق ما قبل الوصول إلى اتفاق الدوحة: شغور رئاسي، انقسام من حول حكومة الشغور، انقطاع التواصل والحوار بين الافرقاء وخلافهم على سبل انتخاب الرئيس وتعذّر اكتمال نصاب البرلمان. إلى هذه وتلك، ثمة ما هو مشابه أيضاً للمصادفة: قبل الوصول إلى شغور 2007 اشتبك حزب الله مع إسرائيل في حرب ضارية لسنة خلت انقسم اللبنانيون والافرقاء من حولها هي حرب تموز. ذلك ما سيتكرر بعد شغور 2022 بانخراط حزب الله في اشتباك آخر مع إسرائيل لا يزال مستمراً انقسم اللبنانيون والكتل كذلك من حوله.
جملة المعطيات هذه تدلّ من حيث شاءت او لم تشأ إلى أن المخرج المفترض من جملة المآزق تلك هو استعادة سابقة اتفاق الدوحة. ما حدث في ما مضى هو نفسه او يكاد الآن. من ذلك قول برّي أن الحوار أولاً ثم انتخاب الرئيس وما قد يجر إليه.
قانون الانتخاب النافذ، القائم على التصويت النسبي والصوت التفضيلي الواحد، هو احد الاشكالات الجديدة المستجدة على الاستحقاق الرئاسي. أفرقاء يريدونه وآخرون باتوا يرذلونه: يتحمّس له ولاستمراره - وقد يكون الوحيد - حزب القوات اللبنانية بعدما أعطاه مع حلفائه 20 نائباً.
الثنائي الشيعي يرفضه حالياً رغم تمكنه بفضله من الاستئثار بالمقاعد الـ27 للطائفة، بيد أنه حرمه ما أمل فيه وهو حصوله على الأكثرية المطلقة. التيار الوطني الحر بدوره لا يستسيغه بعد اكتشافه أن نصف مقاعد الكتلة على الأقل التي تضمه مع الحلفاء حصل عليها بفضل حواصلهم لا أصوات المقترعين. السنّة وأن لسبب لا صلة له بالقانون مقدار تجريدهم من مرجعية الرئيس سعد الحريري وتشتيتهم أضحوا أولى ضحايا القانون نفسه: ما ربحوه منه في انتخابات 2018 حرمتهم إياه انتخابات 2022.
ربما الأصح أن يقال أن قانون الانتخاب، المختلف عليه الآن، صنعه خصوم اليوم بعدما كانوا حلفاء الأمس غداة انتخاب الرئيس ميشال عون عام 2016، وأقاموا أحكامه حجراً فوق حجر.