عماد مرمل - خاص الأفضل نيوز
تعامل لبنان الرسمي وحزب الله ببراغماتية مع مسودة الاتفاق على وقف إطلاق النار المطروحة من قبل الأميركيين، فلم يرفضاها بالكامل ولم يقبلاها بالكامل، بل وافقا على بعض بنودها وطلبا تعديل البعض الآخر بما يحمي السيادة اللبنانية من خطر الألغام المزروعة في الشروط الإسرائيلية لإنهاء الحرب.
وقد عكست التصريحات الإيجابية للموفد الأميركي آموس هوكشتاين من بيروت المرونة التي تعاطى بها المفاوض اللبناني مع الورقة الأميركية من دون أن يتخلى عن الثوابت السيادية، وبالتالي فإن هوكشتاين عَبَر نصف الطريق اللبناني نحو إنجاز الحل المفترض، وبقي عليه أن يقطع المسافة الأصعب والمتمثلة في النصف الثاني الإسرائيلي من الطريق إلى وقف إطلاق النار.
ولعل نتنياهو كان يتمنى أن تأتي ال "لا" من الجانب اللبناني، فتوفر عليه الأخذ والرد مع هوكشتاين، ولكن التكتيك التفاوضي الذي اعتمدته بيروت أعاد الكرة الى ملعب نتنياهو الذي بات مصير التسوية يتوقف عليه.
وتعتبر أوساط سياسية مواكِبة للمخاض الدبلوماسي أن هناك خيارين أمام نتنياهو عندما يلتقي هوكشتاين:
الأول، أن يتجاوب مع المسعى الأميركي لوقف الحرب بحيث لا يطرح أمورًا تنسف جوهر ما توصل إليه هوكشتاين في بيروت، وهذا السيناريو يستوجب أن يتخلى نتنياهو عن مكابرته وعنجهيته وأن يكون قد اقتنع بأن عدوانه على لبنان استنفد أغراضه وأن استمراره سيعني مزيدًا من الغرق في الرمال اللبنانية المتحركة ومن الاستنزاف للجبهة الداخلية في الكيان بلا أي طائل أو مردود استراتيجي، أي يجب أن يعود إلى الواقع ويعترف به كما هو وليس كما يريده.
أما الخيار الثاني فيلحظ إمكان أن يُجهض نتنياهو الفرصة الأخيرة لإنهاء الحرب قبل ختم ولاية جو بايدن بالشمع الأحمر، فيدس السم السياسي في كوب المقترح الأميركي ويزرع الشياطين في تفاصيله، مستخدمًا المناورات التي يجيدها للتملص من الموافقة الفورية على الورقة المعروضة، وذلك في تكرار لتجربة إفشال الجولات التفاوضية حول غزة.
ويستند هذا السيناريو الى فرضية أن نتنياهو قد يكون لا يزال يتوهم أن بمقدوره تحسين شروط وقف إطلاق النار وتحصيل مكاسب سياسية وميدانية إذا واصل العدوان لفترة إضافية وزاد الضغوط العسكرية على لبنان والحزب.
وبدا واضحًا من الخطاب الجديد لأمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم أن المقاومة متحسبة لكل الفرضيات وهي مستعدة جيدًا لإمكان أن يُحبط نتنياهو مسعى التهدئة ويذهب نحو مزيد من التصعيد، وصولا الى تثبيت قاسم معادلة "تل أبيب في مقابل بيروت."
وهناك من يلفت إلى أن صمود المقاومة سيدفع نتنياهو عاجلًا أم آجلًا الى النزول عن شجرته العالية بعدما يتسرب اليباس إلى أغصانها الواحد تلو الآخر، وبالتالي فإن المسألة تتوقف على الوقت الذي سيحتاجه رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي للاقتناع بأنه لن يستطيع أن يحقق بالسياسة ما عجز عنه في الميدان ولا أن يحقق في الميدان ما عجز عنه بالسياسة.