طارق ترشيشي - خاص الأفضل نيوز
يطرح العدوان الإسرائيلي المتصاعد على لبنان على خلفية الفشل في تحقيق أهداف الحرب على قطاع غزة سيناريوهات متعددة حول ما يمكن أن تتجه إليه الأوضاع في ظل استبعاد خيار الحرب الشاملة الذي لا يرى الجميع، باستثناء إسرائيل، مصلحة لهم فيها من الولايات المتحدة الأميركية إلى المجموعة الأوروبية إلى محور المقاومة دولًا فصائل مقاومة بقيادة إيران التي تنادي وواشنطن منذ بداية الحرب على غزة بعدم توسيعها لتشمل المنطقة.
ويقول مصدر سياسي متابع لـ"الافضل نيوز" إن إسرائيل أقدمت على ما يشبه الاجتياح الجوي للبنان بديلًا من الاجتياح البري، هادفة إلى تقويض قدرات حزب الله الصاروخية وغير الصاروخية ومحاولة فرض تنفيذ القرار الدولي الرقم 1701 بالقوة عبرة كثافة القصف لمنطقة جنوب الليطاني التي يستهدفها القرار وينص على نشر الجيش اللبناني وقوات "اليونيفيل" فيها وانسحاب أي وجود مسلح منها إلى شمال الليطاني كما طالب إسرائيل، وذلك لعدم قدرتها على اجتياح برّي لهذه المنطقة حيث تكبدها المقاومة خسائر كبيرة خصوصًا وأنها لم تنس بعد مجزرة دبابات الميركافا في وادي الحجير وغيره خلال حرب 2006 ، فضلًا عن أن الولايات المتحدة لجمتها ولا تزال تلجمها عن دفع الأوضاع إلى حرب شاملة من شأنها أن تغير واقع المنطقة برمتها بما قد يرتد سلبًا على المصالح الأميركية إلى جانب انعكاسها السلبي على إسرائيل نفسها لأن أطراف محور المقاومة لن يقفوا مكتوفين إزاء محاولة القضاء على حزب الله الذي يشكل رأس حربة المقاومة كما تحاول القضاء على حركة حماس في قطاع غزة وهي تحاول الشيء نفسه في الضفة الغربية في إطار مشروعها الهادف إلى إقامة إسرائيل الكبرى اليهودية من نهر الأردن شرقًا إلى البحر المتوسط غرباً.
لكن ما يلاحظه المصدر هو أن حزب الله كان ولا يزال يتجنب في ردوده على الاجتياح الجوي الإسرائيلي إيصال الأمور إلى الحرب الشاملة التي تريدها إسرائيل لهدف إحداث مواجهة مباشرة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية التي لا يمكن إلا أن تتدخل مباشرة في هذه الحرب خصوصًا إذا شعرت أن إسرائيل أمام خطر يهددها وجودياً.
ولذلك فإن الحزب على رغم فظاعة القصف الجوي الإسرائيلي الذي أوقع 500 شهيد وأكثر من 1500 جريح في الجنوب والبقاع الغربي في يوم واحد الاثنين المنصرم فإنه ما يزال يلتزم قواعد الاشتباك حيث أنه مستمر في استهداف المواقع العسكرية فقط مستبعدًا أي أهداف مدنية حتى لا تأخذ إسرائيل منها ذريعة لتوسيع الحرب وتحويلها شاملة. كما أن الحزب لا يريد في الوقت نفسه تعريض لبنان إلى مزيد من الدمار في ظل الظروف التي يمر بها على كل المستويات.
ويؤكد المصدر نفسه أن الإسرائيلي لو كان قادرًا على توسيع نطاق الحرب لكان استخدم القصف الجوي العنيف لمنطقة الجنوب وللبقاع غطاء لاجتياح بري لمنطقة جنوب الليطاني على الأقل، ولكان قصف البنى التحتية اللبنانية ولكنه لم يفعل ذلك حتى الآن، فلم يقصف مطار بيروت الدولي ولا أي مرفق حيوي عام ولا بنى تحتية أو فوقية لأنه يدرك أن قصفه المطار إذا حصل ولأي مرفق لبناني سيكون بمثابة إعلان حرب شاملة على لبنان وعليه أن يتوقع أن تقصف المقاومة تل أبيب ومطار بن غوريون وكل مكان تطاوله صواريخها ومسيراتها وفيه مرافق ومواقع حساسة على كل مساحة فلسطين المحتلة.
كما أن الإسرائيلي الذي يحاول جس نبض حزب الله ومدى قدرته على مواجهة أي اجتياح، فشل في استدراج الحزب إلى الكشف عما يملك من قدرات وأسلحة رادعة لديه. إذا اكتفى حتى الآن بكشف صاروخي "فادي 1" و"فادي 2 " الذي بلغ مداه مئة كيلومتر. أما الصواريخ الاستراتيجية وغيرها من الأسلحة الكاسرة للتوازن فقد تشكل مفاجآت للإسرائيلي في الوقت المناسب في حال توسعت دائرة الحرب إلى مرتبة "الحرب الشاملة".
كذلك، يقول المصدر، فإن الإسرائيلي في قصفه التدميري للمنطقة الجنوبية والبقاع وقبلهما في مجزرة تفجير أجهزة التواصل "البايجر" واللاسلكي قد فشل في تأليب البيئة الحاضنة لحزب الله عليه حيث ردت هذه البيئة بمزيد من التضامن والاحتضان والاستعداد لتقديم مزيد من التضحيات نصرة للحزب والمقاومة، حتى أن موجة النزوح التي سببها هذا القصف من الجنوب إلى الداخل وضمن الداخل نفسه لم تفت في عضد هذه البيئة الحاضنة ما جعل الإسرائيلي في حال إرباك في الوقت الذي عاد البيت الأبيض إلى الحديث عن "حل دبلوماسي" للوضع على الجبهة الجنوبية من بوابة البحث في تنفيذ القرار الدولي 1701.
وتأسيسًا على هذا ينتظر أن يشهد لبنان في قابل الأيام حركة ديبلوماسية تدفع في اتجاه التهدئة والتمهيد لمعالجات في هذا الاتجاه وعلى الأرجح فإن زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الحالية للبنان تشكل بداية هذه الحركة خصوصًا وأن فرنسا كانت ولا تزال تلعب دور نقل الرسائل بين الجانبين من جانب الموفد الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتاين. وثمة من قال أن نتنياهو ربما يكون استبق هذه الحركة بالهجمات الجوية على لبنان ليحصل على منفذ من الأزمة التي يعيشها جراء فشله في تحقيق أهدافه من الحرب على قطاع غزة التي تنهي عامها الأول في 7 تشرين الأول المقبل بحيث يستعيض عن ذلك الفشل بضغط على حزب الله لدفعه إلى القبول بتسوية توقف إسناده لحركة حماس وبالتالي فصل جبهة الجنوب عن غزة وإعادة النازحين إلى المستوطنات الشمالية وهو أمر لا يمكن لنتنياهو أن يحصل عليه ما لم يوقف إطلاق النار والحرب على قطاع غزة.