د.أكرم حمدان_خاصّ الأفضل نيوز
ما أشبه الأمس باليوم، فمقولة التاريخ يُعيد نفسه يبدو أنها ليست نظرية فقط وإنما يتم ترجمتها عملياً وفعلياً، فهذا تاريخ الثامن والعشرين من أيلول /سبتمبر عام 1970 يتكرر في عامنا الحالي 2024، حيث يجمع بين قائدين كبيرين وعظيمين من الأمة يُغادرانها، هما الزعيم الراحل جمال عبد الناصر والسيد حسن نصرالله،الذين قضيا من أجل أهم وأشرف وأعدل قضية، التي كانت وستبقى بوصلة الأمة،إنها فلسطين.
ربما المجال لا يسمح بذكر كل محطات حياة الشهيد السعيد السيد حسن نصرالله، قبل أن ينجلي غبار المعركة والمواجهة القائمة مع العدو الصهيوني،وقبل أن يتم تحديد موعد ومراسم تشييعه،وقبل أن ينشرالحزب بعض ما لا نعرفه عن حياته الجهادية وغيرها، ولكن ما بات واضحاً أن قرار استهدافه كان بسبب تمسكه بإسناد جبهة غزة وأهالي غزة وفلسطين منذ الثامن من أكتوبر عام 2023،أي بعد يوم من انطلاق طوفان الأقصى.
وبالانتظار ولأننا في حضرة 28 أيلول /سبتمبر،وبعد 54 عامًا على غيابه جسدياً،أود استذكار بعضاً من إنجازات بدر الأمة العربية والإسلامية،جمال عبد الناصر،الذي اجتمع معه بدر مقاومتها السيد الشهيد نصرالله، فناصر القائل إن المقاومة وُجدت لتبقى وسوف تبقى حتى تحرير فلسطين.
لقد استطاع الزعيم عبدالناصر،أن ينال تقدير واحترام الشعب العربي والإسلامي وكل شعوب العالم المتحرر،خصوصًا من أبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة التي أتى منها،وكان خطيبًا ماهرًا ويتمتع بشخصية قيادية متميزة وكاريزماتية، حيث ألقى 1359 خطبة بين عامي 1953 و1970،وهو رقم قياسي بالنسبة لأي رئيس،ولا يمكن إنكار شخصية وكاريزما القيادة التي كان يتمتع بها الشهيد السيد نصرالله.
ويعتبر ناصر، حتى يومنا هذا، شخصية بارزة في جميع أنحاء الوطن العربي، ورمزًا للوحدة العربية والكرامة، وشخصية هامة في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، ويعتبر أيضا بطل العدالة الاجتماعية في مصر، حيث أضفى شعورًا بالقيمة الشخصية والكرامة الوطنية، التي كان المصريون والعرب لا يعرفونها منذ 400 عام ، وخلال ما سُمي بالربيع العربي،ظهرت صوره في القاهرة والعواصم العربية خلال المظاهرات المناهضة للحكومات.
لقد كان ناصر قادرًا على تجسيد الإرادة الشعبية العربية،واستوحيت العديد من الثورات القومية في الوطن العربي من أفكاره، وكانت إنجازاته غير مسبوقة بالنسبة للزعماء العرب الآخرين،وكان بمثابة الرمز والداعم الأول لجميع حركات التحرر من الاستعمار والاحتلال، وهذه الصفات يمتلكها الشهيد نصرالله على المستويين الشعبي وحركات المقاومة في العالم.
ولأن البعض قد لا يعجبه الجمع والمقارنة بين هذين القائدين،سوف أركز على إنجازات عبد الناصر على المستوى الديني تأكيداً على عدم الفصل بين الإسلام والعروبة، ففي عهد عبد الناصر تم جمع القرآن الكريم لأول مرة مسموعاً بصوت كبار القراء، وتم بناء عشرة آلاف مسجد وإنشاء أول محطة خاصة للقرآن الكريم.
وفي عهد عبد الناصر،جُعلت مادة التربية الدينية،مادة إجبارية،وهو من طور الأزهر الشريف وحوله إلى جامعة عصرية تُدرس فيها العلوم الطبيعية بجانب العلوم الدينية، كما تم إنشاء مدينة البعوث الإسلامية التى يدرس فيها عشرات الآلاف من الطلاب المسلمين وتضم طلاباً قادمين من سبعين دولة إسلامية يتعلمون في الأزهر مجانا ويقيمون فى مصر إقامة كاملة مجانا أيضا، وفي عهده، تمت ترجمة معاني القرآن الكريم إلى كل لغات العالم وتم تنظيم مسابقات تحفيظ القرآن الكريم على مستوى مصر والعالمين العربي والإسلامي ،وكان عبد الناصر يوزع بنفسه الجوائز على حفظة القرآن .
وفي عهده تم وضع موسوعة للفقه الإسلامي ضمت كل علوم وفقه الدين الحنيف فى عشرات المجلدات وتم توزيعها فى العالم كله،كما تم بناء آلاف المعاهد الأزهرية والدينية فى مصر وتم افتتاح فروع لجامعة الأزهر فى العديد من الدول الإسلامية،
لقد كان عبد الناصر،أكثرحاكم عربي ومسلم حريصاً على الإسلام ونشر روح الدين الحنيف فى العدالة الاجتماعية والمساواة بين الناس، وفي عهده سجلت بعثات نشر الإسلام فى أفريقيا وآسيا،أعلى نسب دخول فى الدين الإسلامي فى التاريخ،حيث بلغ عدد الذين اختاروا الإسلام دينا بفضل بعثات الأزهر فى عهده 7 أشخاص من كل 10 أشخاص وهى نسب غير مسبوقة وغير ملحوقة فى التاريخ حسب إحصائيات مجلس الكنائس العالمي .
في عهده صدر قانون بتحريم القمار ومنعه،كما أصدر قرارات بإغلاق كل المحافل الماسونية ونوادى الروتاري والمحافل البهائية،كما تم إلغاء تراخيص العمل الممنوحة للنسوة العاملات بالدعارة،ووصلت الفتاة لأول مرة إلى التعليم الديني كما تم افتتاح معاهد أزهرية للفتيات، وأقيمت مسابقات عديدة في كل المدن لتحفيظ القرآن الكريم، وطبعت ملايين النسخ من القرآن الكريم .
وسوف أكتفي بعرض بعض محطات عبد الناصر الفلسطينية وتعلقه ودعمه لحق الشعب الفلسطيني، فهو أصيب خلال القتال في فلسطين في معركة الفلوجة،كما كشفت وثائق سرية نُشرت في شهر أيارالماضي عن المخاوف الجدية التي ساورت بريطانيا حول عزم عبد الناصر، مساعدة الفلسطينيين على إقامة دولتهم انطلاقا من قطاع غزة، بعد عام من فشل الحرب الثلاثية الإسرائيلية-البريطانية-الفرنسية على مصر عام 1956.
وتشير الوثائق البريطانية إلى أن لندن كانت أكثر قلقاً حتى من إسرائيل والأردن بشأن نوايا ناصر،إعلان دولة في غزة، واعتبرتها خطوة "خطيرة ومتطرفة"، ما دفعها للسعي لإقناع الأمم المتحدة بالضغط على عبد الناصر كي لا يقدم عليها.
وعام 1957 وبعد تشكيل المجلسين التشريعي والتنفيذي لغزة، بعد انسحاب الاحتلال منها،أعلن ناصر عدم التخلي عن غزة، وقال في رسالة إلى شعب غزة:"لن أنساكم أبدا، أكرس حياتي لراحتكم واستعادة بيوتكم".
لقد غادرنا وغادر الأمة الرئيس جمال عبد الناصر يوم الإثنين في 28 أيلول/ سبتمبر من عام 1970 والذي يوافق هجريا يوم 27 رجب 1390،فى ذكرى يوم الإسراء والمعراج، وبعد مشاركته في قمة عربية طارئة كانت تُناقش الوضع الفلسطيني آنذاك، وفي نفس التاريخ يغادرنا السيد حسن نصرالله وهو يقود المواجهة مع العدو الصهيوني إسناداً لغزة وفلسطين.