د. أكرم حمدان - خاصّ الأفضل نيوز
بعدما انتهى اجتماع الرياض أو القمة المصغرة التي مهدت للقمة العربية الطارئة المقررة في الرابع من آذار المقبل وعشية ذكرى الوحدة بين مصر وسوريا لا بد من التوقف مليا أمام كل التطورات والمتغيرات التي عصفت بالواقع العربي والتي باتت حاسمة لجهة أنه لا نهوض عربي إلا بالوحدة التكاملية.
فبعد كل الصلف والعنجهية الأميركية والصهيونية في التعامل مع قضايا الأمة وخصوصا تجاه القضية الفلسطينية، لم يعد هناك من شكوك أو مبررات أمام النظام العربي الرسمي بأن طريق نهوض العرب من الكوارث التي تعصف بهم لا يكون إلا من خلال الوحدة التكاملية العربية، وعلى قاعدة المشروع النهضوي العربي الذي أطلق ثوابته المعلم الراحل جمال عبد الناصر، بعد أن أمعنت المشاريع البديلة من عصبيات قطرية وطائفية ومذهبية ومدارس متطرفة تخريباً وتدميراً في ركائز أمة العرب وأمنهم القومي.
ففي مثل هذه الأيام ومنذ 67 عاماً، أعلن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا، وقال في خطاب الإعلان، "إن دولة الوحدة تحمي ولا تهدد، تصون ولا تبدد، تشد أزر الصديق وترد كيد العدو"، في تأكيد مباشر وإيمان مطلق بحقيقة ثابتة وهي أن حلم النهوض العربي لا يمكن أن يتحقق إلا عن طريق الاتحاد العربي بكل المجالات.
لقد كانت تلك الوحدة استجابة للأمر الطبيعي بين مصر وبلاد الشام، وترجمة لآمال الشعب الذي تحرّك في كل ساحات الوطن العربي تضامناً مع مصر عبد الناصر في مواجهة العدوان الثلاثي عام 1956، حيث انطلقت على وهج هذا الانتصار الحركة القومية العربية لتنهي حقبة الاستعمار الأوروبي عن الأمة كلها، وترد على معاهدة سايكس بيكو التقسيمية بإعلان الجمهورية العربية المتحدة في شباط 1958، فضلاً عن تحصين سورية من الحصار التركي والحلف الأطلسي، وتكوين كماشة تحيط بالعدو الصهيوني من الشمال والجنوب.
ورغم الانفصال الذي حصل عام ١٩٦١ إلا أن التضامن العربي في قمة الخرطوم عام 1968، مكّن الرئيس عبد الناصر من قيادة حرب استنزاف أنهكت العدو الصهيوني طيلة ثلاث سنوات، وحقق هذا التضامن انتصار حرب تشرين/ أكتوبر عام 1973، قبل أن تعود العصبيات القطرية للتفشي في المنطقة بعد معاهدة كامب دايفيد المشؤومة، لتوصل الأمة إلى حالها المأساوية في هذه الأيام.
إن نظرة موضوعية على أوضاع العرب منذ عام 1958 إلى يومنا هذا، تؤكد أن الوحدة على قاعدة المشروع النهضوي العربي الذي طرح ثوابته عبد الناصر، هي القلعة الحصينة الوحيدة القادرة على مواجهة الاستعمار والصهيونية، وأن العصبيات القطرية والحركات الطائفية والمذهبية التي طرحت نفسها بديلاً من الوحدة، أضاعت بوصلة فلسطين ولم تنتج إلا الانقسام والتدمير والتبعية والتدخل الأجنبي.
إن الوحدة العربية على قاعدة التكامل بين الوطنيّات،وتطوير وتحديث جامعة الدول العربية، وتفعيل مؤسسات العمل العربي المشترك، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعيًّا وتربوياً، هي التي تعيد للأمة دورها وموقعها في العالم.
إن الوحدة بين مصر وسوريا لو قدر لها الاستمرار والتطور والتوسع تكاملياً إلى بلدان عربية أخرى، لكانت حالة العرب في مكان آخر مختلف تماماً عن وضعنا الحالي، ولكان العدو الصهيوني في وضع متقهقر، ولكانت الإدارة الأميركية في حالة تمنعها من طرح مشاريع تخدم الكيان الصهيوني وتضر بالأمن القومي والمصالح العربية العليا، كمشروع الشرق الأوسط الكبير أو المشروع الإبراهيمي أو ترحيل أبناء فلسطين من غزة والضفة.
في ذكرى الوحدة بين مصر وسورية، وعشية القمة العربية في القاهرة، قاهرة المعز والقائد جمال عبد الناصر، المطلوب من النظام الرسمي العربي وقفة مع الذات والعودة إلى سلوك طريق الوحدة قبل فوات الأوان، فالعروبة هي أبداً ودائما الحل، وخير برهان ودليل تراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فكرة تهجير الفلسطينيين من غزة عندما لمس موقفًا عربيًّا موحدًا ورافضًا...
الوحدة تصنع المعجزات وتعيد مجد الأمة.