نبيه البرجي - خاصّ الأفضل نيوز
محاولة لتجميع عناصر الصورة، تسريبات مبرمجة إلى إيران حول "الضربة القاضية" إن إلى المنشآت النفطية أو إلى المنشآت النووية , حتى إذا ما حاول الإيرانيون الرد لا بد من تذكيرهم بأن الاسم الذي أطلق على الحرب الراهنة هو "حرب القيامة" . هذا تزامناً مع ضربات , وتهديدات , متتالية لقوات "اليونيفيل" للخروج من لبنان , تمهيداً لسلخ جزء حيوي من جنوبه.
التفرد بلبنان , دون أن يكون هناك من مجال للمقارنة بين حرب 2006 وحرب 2024 . على الضفة الأميركية إدارة جوج دبليو بوش كانت قد غزت , وقبل سنوات قليلة من الحرب الأولى , كلاً من أفغانستان 2001 والعراق 2003 , في السياق الخاص بإنشاء "الشرق الأوسط الكبير" . الإدارة كانت تغص بصقور اللوبي اليهودي , حتى في البنتاغون (بول ولفوويتز , ريتشارد بيرل , دوغلاس فايث) . هؤلاء الذين كانوا يرون في لبنان المدخل لإقامة "إسرائيل الكبرى" , وفي إطار "الشرق الأوسط الكبير" .
على الضفة الإسرائيلية حكومة برئاسة إيهود أولمرت , الذي انتهى في الزنزانة بسبب فضيحة مالية مخزية . وزير الدفاع عمير بيرتس الذي من أصل مغربي , بخيال السلاحف , ورئيس أركان وصفه خليفته غابي اشكنازي بـ" الإوزة التي تقف على ساق واحدة" . اإاسرائيليون كادوا يستغيثون لوقف الحرب , لتدين لجنة فينوغراد الجميع بالتقصير .
الآن , مشهد مختلف في البيت الأبيض ، إدارة جو بايدن غرقت في النيران والوحول الأوكرانية , فيما وثيقة البنتاغون لعام 2023 رأت أن الصين المنافس الخطير للولايات المتحدة في قيادة العالم , خصوصاً بعدما أصدرت وزارة الدفاع الصينية "الكتاب الأبيض" الذي يشير إلى الخطة الخاصة بتطوير الترسانة العسكرية , لتضاهي الترسانة الأميركية . تالياً , وعلى الأقل , إنهاء الاستقطاب الأحادي، صحيفة "وول ستريت جورنال" التي كانت تسخر من "التنين الذي تقتصر مهمته على حمل البضائع على ظهره" ، تتحدث الآن عن "التنين الذي يجثم بمخالبه النووية على الضفاف الأميركية".
إسرائيلياً، إذا كان فرنسوا ميتران قد قال لدى رؤية غولدا مئير لقباحتها , "كما لو أنها سقطت للتو من مؤخرة يهوذا" , لا بد أن يقال في بنيامين نتياهو لوحشيته , "كما لو أنه سقط للتو من مؤخرة الشيطان" , مع ذلك الفريق من الزبانية , وحيث يعتبر وزير دفاعه بني غانتس من ألمع جنرالات الميدان , ورئيس أركانه هرتسي ليفي بأنه يحمل في يده عصا يوشع بن نون.
نحن أمام اليمين الإيديولوجي , اليمين التوراتي , الذي يعتقد أنه وجد على هذه الأرض لينفذ "الوصية الحادية عشرة" , أي إقامة "أمبراطورية يهوه" , حتى لو "اضطررنا إلى قطع رؤوس العرب بالمناجل" , بحسب ايتامار بن غفير حين كان عضواً في حركة "كاخ" (انتسب إلى الحركة التي أنشأها الحاخام مئير كاهانا وهو في السادسة عشرة) . في قناعة ذلك اليمين إذا لم يتم القضاء على كل أعداء إسرائيل الآن , فلن تبقى أكثر من سنوات قليلة.
في رأس نتنياهو إنهاء أي وجود لـ"حزب الله" في لبنان الذي ينبغي أن يكون ضاحية للهيكل (مقال في الـ"جيروزاليم بوست" , وبالحرف الواحد , لبنان جزء من أرض إسرائيل الموعودة التي سيعيدها الله إلى إسرائيل قريباً) , حتى إذا ما زال "الوجود الإيراني" على حدود إسرائيل , كان الانقضاض على إيران لتقويض النظام هناك ما يفتح الباب على مصراعيه لتغيير الشرق الأوسط وفق الرؤية التوراتية.
واشنطن وطهران تتقاطعان في تفادي الحرب الشاملة , وفي وقف النار قبل "الثلاثاء الكبير" أي 5 تشرين الثاني . هنا الجانب السريالي من الصورة (أيها السادة الأميركيون) هل كان باستطاعة إسرائيل شن الحرب على غزة , أو على لبنان , لولا مؤازرتكم العملانية , واللوجيستية ؟ كيف لها أن تشن الحرب الشاملة دون الضوء الأخضر الأميركي ؟
الثابت أن نتنياهو ذاهب في جنونه إلى حدوده القصوى ، كل فرق النخبة التي تصفها صحيفة "إسرائيل اليوم" بـ"الثعابين الطائرة" على حدود لبنان ، ولكن ألا يقع كل يوم ذاك العدد الضخم من الجرحى (ما الفارق بين الجريح والقتيل في الميدان ؟) , ليشكل ذلك ضربة على رأس نتنياهو.
هذا ما نراهن عليه، ضربة على الرأس قد تجعل الإسرائيليين يصرخون لوقف حفل الجنون ، كلمة "ولكن ..." تبقى أمام أعيننا . ما دام الإسرائيليون إياهم يفكرون هكذا , وما دام ذلك "الحوذي المجنون" على رأسهم ...