رائد المصري - خاصّ الأفضل نيوز
عزَّزت قمة بكركي الروحية المسيحية – الإسلامية من السلام الداخلي اللبناني، بعد الحرب الضروس التي يشنَّها نتنياهو والإبادة الجماعية المرتكبة للعدو اليميني المتطرف، بحق شعب لبنان،و بعد أن أباد شعب غزة، قمة أبْعدت شبح الفتنة عن لبنان واللبنانيين، وأفشلت مساعي الإسرائيلي في خلق بؤر وتوتّرات اجتماعية لضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة، وهي في أوج حربها الوجودية، كما تل أبيب وعلى لسان قادتها يصفون هذه الحرب بأنها وجودية بالنسبة لــ"دولة إسرائيل".
هذه القمة الروحية اعتبرت في بيانها أن العداون الإسرائيلي الهَمجي على لبنان يَطال كل أبنائه، وينال من كرامة وعزّة كل اللبنانيين، وأن الوحدة والتمسك بالأرض تجعل اللبنانيين قادرين على رد العدو على أعقابه، في موازاتها كانت المقاومة تُسطِّر أرْوع ملحمة في المواجهة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي عند مثلث القوزح وعيتا الشعب وراميا، والتي أدت إلى ما يمكن تسميته بمقتلة كاملة لوحدة كومندوس، تضم العشرات من جنود إيغوز، فالعدو وحده اعترف بمقتل سبعة جنود وأكثر من ثلاثين إصابة، في الوقت الذي كانت مستعمرة شلومي تحترق مع غيرها من مستعمرات الشمال وصولاً إلى صفد وشمال حيفا بسبب صواريخ المقاومة الدقيقة.
هذا في الميدان، أما على الصعيد السياسي فالجهود مستمرة لملء الفراغ الرئاسي، والتنسيق لإنجاح مؤتمر باريس حول لبنان، الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 24 الجاري، وهذا يوحي بكل تأكيد، أن لبنان لن يرفع الراية البيضاء، أو يُسلِّم أمام هول المجازر المتنقلة من قانا إلى النبطية، إلى بلدات رياق وبعلبك والهرمل، وأحياء كثيرة في الضاحية الجنوبية، إذ استمد البلد من قمة بكركي روحية الصمود والتضامن، من أجل لجم العدو وطرح الحلول المرتكزة على التمسك بالدستور واتفاق الطائف، مع مطالبة مجلس الأمن الدولي للانعقاد فوراً، واتخاذ القرار الحاسم لوقف إطلاق النار وإيقاف المجزرة الإنسانية بحق لبنان.
وبحسب مصادر ديبلوماسية معنية، فإنَّ المسار السياسي في لبنان يقوم على الجهود للتهدئة ومنع الفتنة وأولوية وقف إطلاق النار، والعودة إلى اتفاق الطائف ومندرجاته، الذي يحمي الجميع في لبنان، وهو ما أكَّد عليه النائب السابق وليد جنبلاط، وعلمت مصادر صحفية قريبة من اللقاءات الحاصلة في عين التينة والقصر الحكومي، بأنَّ هناك عملاً مشتركاً بين الرئيس نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي السابق وليد جنبلاط، ورئيس التيار الوطني جبران باسيل، وتكتل الاعتدال الوطني، من أجل وقف الحرب في الجنوب وانتخاب رئيس للجمهورية، بحيث تشير المصادر عينها أنه بالنسبة لوقف الحرب سيتم التفاهم على مسعى الحل بتطبيق القرار 1701 من على جانبي الحدود، أما الرئاسة فهناك مسعى للوصول إلى سلة أسماء توافقية لمرشحين للرئاسة، وتوفير نصاب الثلثين في مجلس النواب أي 86 نائباً في جلسة الانتخاب بشكل دائم، وحول المسعى الثالث وتطبيق القرار 1701 فسيكون بانتظار انتهاء مؤتمر باريس الخاص بلبنان في 24 من الشهر الحالي، ويليه مؤتمر روما للدول الصناعية الكبرى في 28 من الشهر الجاري.
لكن الجريمة الكبرى التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، هو التعدي المستمر على قوات اليونيفل العاملة في جنوب لبنان، فهو ليس عملاً عابراً، بل جزء من مخطط مدروس وخطير، يتمثل في إنشاء منطقة عازلة على طول الخط الأزرق، مع ما يعنيه من فرض تعديل على القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن عام 2006، حيث تسعى تل أبيب للاستحواذ على خط حدودي جديد مع لبنان، وبما يعنيه هذا القرار الذي وافق عليه حزب الله وعلى كل حرف فيه. لكن للإسرائيلي حسابات مختلفة أبعد من ذلك، طالما لا يوجد أحد في هذا العالم، قادر على وقف آلة حرب نتنياهو الوحشية بحق الشعبين اللبناني والفلسطيني، وهنا تكشف مصادر ديبلوماسية عربية بأن هناك تعويلًا عربيًّا على دخول الأردن على خط وقف الحرب بين المقاومة وإسرائيل، كونها حرب تهمّ كل دولة عربية، لتحرير لبنان من عزلته التي وُضع فيها مع حرب ضارية وقتل وتدمير ممنهجين.
تحرك هذه الديبلوماسية الصامتة عبر المملكة الأردنية الهاشمية، هو بسبب مؤشرات بدأت تلوح في الأفق، على اعتبار أنه لم يعد سرًّا أنّ حرب لبنان وخلافاً لحرب غزّة، ليست حرب نتنياهو، بل هي حرب تلقى دعماً من كلّ المجتمع الإسرائيلي، وتلقى دعماً أميركيًّا كبيراً، والخطورة أن هناك إجماعاً إسرائيلياً للذهاب بعيداً في استمرار الحرب على لبنان، مترافقاً مع الإصرار على إقامة ما يسمى بالشريط العازل على امتداد الخطّ الأزرق، وكذلك احتمال ربط هذا الشريط اللبناني بشريط آخر في الجنوب السوري، وهذا ما كان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان واضحاً حين كشف عن نيّات إسرائيلية مبيّتة تجاه سوريا.
يبدو الدخول العربي على خطّ كارثة الحرب اللبنانية عاملاً مهماً، ويمكن أن يكون نقطة تحوّل في وقف مأساة هذا الشعب، وما تطمح إليه إسرائيل من خلال الشريط العازل الذي سيعني أو ربما سيكون، مقدّمة لنكبة أخرى للبنان تشبه في جانب منها نكبة فلسطين.