إلياس المرّ - خاصّ الأفضل نيوز
لا شك أن السابع من أكتوبر غيَّر المسار العام لسياسة الدول الكبرى لما يتعلق في نظرتها للأمور في منطقة الشرق الأوسط، وأيقنت أغلب الدول ضعف نظرتها المستقبلية وعدم قدرتها على رصد المستقبل وضعف اليقين، لدى معظم مخابراتها، بالرغم من كل الاهتمام والتركيز على المنطقة، فشلت المخابرات الغربية في توقع ما حدث في ٧ أكتوبر وهذا أيضا يؤخذ في الحسبان لدى التقييم لمعالجة الثغرات بعد عام على الحادثة التي غيرت مسار المنطقة وربما العالم.
تنظر الإدارة الأميركية قبل شهر واحد من الانتخابات المفصلية بعين الاهتمام إلى مستقبل استثمار كل ما حدث، وما تعتبره من إنجازات تكتيكية عسكرية مهمة لإسرائيل، حيث شكل الدعم الأميركي الثابت لها، الرافعة الكبرى لكل ما استطاعت تحقيقه، بفضل فائض القوة والتسليح غير المشروط، وبفضل الدعم المباشر من خلال التحالفات الدفاعية في المنطقة من جهة، والأساطيل والقواعد العسكرية الأميركية من جهة ثانية، بالرغم من كل التباين الذي ظهر إلى العلن بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية، فالأخيرة كانت جزءًا أساسيًّا من المعركة وبالتالي تنظر الآن لتكون جزءًا أساسيًّا من موسم الحصاد والاستفادة من النتائج السريعة والبناء عليها لرسم مستقبل سياستها في المنطقة، وهي بذلك تدفع بإسرائيل لبدء صرف إنجازاتها العسكرية التكتية، بنتائج سياسية استراتيجية.
ثمار سريعة معدة للقطف
تظن أوساط في الإدارة الأميركية متابعة ومهتمة بمنطقة الشرق الأوسط أن الوقت قد حان لوقف التمادي العسكري والذهاب باتجاه الاستثمار السياسي، وذلك على مستويين مباشرين.
الأول في غزة من خلال وقف النار الذي تنادي به واشنطن، والانتقال إلى مرحلة ما بعد الحرب، حيث ترى واشنطن أنها ستكون دون حماس، أو على الأقل دون نفوذها العسكري، وسيكون لها دور كبير في إرساء قواعد مستقبل الحكم والإدارة فيها، كما وأنها ستكون منصة لتغيير داخل السلطة الفلسطينية التي ترى واشنطن أنها غير متعاونة أو على الأقل لم تعد قادرة أو فاعلة على مستوى المتغييرات على الساحة الفلسطينية و المنطقة.
وترى أميركا أن اللحظة الراهنة، فرصة ذهبية لاستكمال مسار التطبيع "الإبراهيمي" والأنظار هنا حتماً على السعودية.
هذا فلسطينيًّا، أما على مستوى لبنان، ترى واشنطن أن الاستثمار السريع في الإنجازات العسكرية الإسرائيلية هو الفرصة الوحيدة لتغيير موازين القوة، لصالح المعسكر الغربي باعتبار أن الضربات التي تلقاها حزب الله على مستوى القيادة قوية لدرجة يمكن أن تغيِّر في الواقع القائم وأنها أفقدت حزب الله شيئاً من قوته ونفوذه، إلاّ أنها تتوجس السرعة في الحصاد السياسي، خوفاً من قدرته السريعة على التعافي، وبالتالي سيعود أكثر صلابة وتمسكّاً مما يشكل صعوبة في الحصول منه على مكاسب سياسية، أمام قدرته البنيوية والديموغرافية الهائلة، التي لن تتمكن إسرائيل من المس بها، فهي قوة خفيّة باطنية متجذرة مسنودة بدعائم قومية عقائدية إديولوجية لا يمكن ضربها لا بالطائرات ولا بالأسلحة فائقة القوة، إذا ما اجتاز مرحلة الخطر ودخل مرحلة التعافي وإعادة النهوض بحسب التقييم الأميركي طبعاً، ومن هنا نفهم السرعة في التواصل عبر موفدين والسعي لاتمام الاستحقاق الرئاسي بأي شكل وبأسرع وقت كمقدمة للحديث بأي نقاط أخرى بحسب الأجندة الأميركية.
لتحقيق الهدفين الأميركيين في المنطقة لما بعد السابع من أكتوبر، الأول إعادة التوازن والدور في لبنان والأصح السيطرة كونها لا تؤمن بالتوازن والتعاون مع قوى أخرى، والهدف الثاني استكمال مسار التطبيع، أمام واشنطن ثلاث معضلات:
الأولى تكمن في عدم قدرة الإدارة الحالية على إقناع نتنياهو بالانتقال من المرحلة العسكرية إلى تلك السياسية، وهنا مكمن الاختلاف في الأولويات والتقييم.
فيما أولوية واشنطن الحصول على المكاسب السياسية وتغيير الواقع المختل بالتوازن لصالح الشرق منذ سنوات، يبقى تقييم نتنياهو وهو الأقرب إلى الواقع أن وقف النار سيعيد إحياء حماس من تحت الرماد، فضلاً عن إعادة تماسك حزب الله وعودته أقوى، خصوصاً مع يقين نتنياهو من المسار الميداني الحدودي وفي داخل المدن أنه لا زال متماسكا أصلاً ويستعيد تعافيه من الضربات الأولى بشكل كبير وسريع.
المعضلة الثانية في النجاح بالضغط على إيران للسير بهذا المسار، وبأنها ستدفع ثمناً باهظاً إذا ما وقفت بوجهه، وهنا تظهر مشكلة كبرى، خصوصاً بعد فشل التيار الإصلاحي بإقناع القيادة الإيرانية بقدرة الحصول على تسويات سياسية وبالتالي مكاسب عبر الانفتاح والحوار، وعودة التيار المحافظ بقوة إلى ساحة القرار بعد كل الضربات والخسائر الاستراتيجية في المرحلة الأخيرة لإيران وحلفائها، مما قد ينعكس تغييراً داخلياً حكومياً في إيران، قد تسبقه تحركات شعبية مطالبة بإسقاط الحكومة الإصلاحية وانتخابات مبكرة.
ثالثاً حل الدولتين، شرط أساس وضعته السعودية للمضي في مسار التطبيع والسلام، وهذا الشرط غير قابل للتنازل أو التفاوض، ودونه الكثير من العقبات، أبرزها أي دولتين بأي شكلين وأي عاصمتين ومصير المقدسات أساس بالنسبة للسعودية، والقدس أولوية دينية قبل أن تكون سياسية، والعقبة الثالثة نمو اليمين الإسرائيلي الممسك بمقاليد الحكم الرافض أساساً مبدأ الدولتين ويذهب إلى أبعد من بذلك بطرح التهجير والدولتين البديلتين الأردن للضفيين وسيناء للغزاويين.
على كل حال هذا بالمنظور والتقييم الأميركي لإدارة ستغادر بعد أقل من شهر واحد، حتى موعد الانتخابات واستلام إدارة جديدة وإتمام تحضير الملفات هناك فاصل زمني قوامه أشهر ثلاثة، إلى حينه من سيفرض إعادة التقييم والدرس والتخطيط والتوجيه ومن سيرسم بالتالي مستقبل المنطقة والنفوذ على الساحة الدولية من خلالها، كونها جزءًا أساسيًّا من الصراع الدولي الممتد من بحر الصين مرورا بأوكرانيا وصولا إلى الشرق الأوسط، من سيعيد رسم المشهد، هو الميدان فقط، ولا شيء سوى الميدان، فهو الفاصل بين الأمنيات والواقع وبين الرغبات والقدرات.