كتب يحيى دبوق في الأخبار:
رغم أن غالبية الجمهور في إسرائيل تفضّل المرشحالجمهوري، دونالد ترامب، على حساب المرشحة الديموقراطية، كامالا هاريس، إلا أن أكثر من ثلثي الكتّاب والمحلّلين وكبار الخبراء في الكيان العبري، يحذّرون من أن ولاية جديدة لترامب قد لا تفيد بالضرورة إسرائيل ومصالحها، وهو ما يتوافق أيضاً مع رأي ثلثي اليهود الأميركيين، الذين يؤيّدون منافسته، هاريس، التي تشكّل، وفقاً لمعظم الجمهور الإسرائيلي، تهديداً لمصالح تل أبيب ولنتيجة الحربَين اللتَين تخوضهما في غزة ولبنان، وتلك التي بدأ مسارها يتّسع مع إيران.
مع ذلك، يأمل رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ومركبات ائتلافه من اليمين واليمين المتطرّف، في أن يؤدي فوز ترامب إلى نقلة نوعية في العلاقات بين الجانبين، من دون أن يعني ذلك أن الإدارة الحالية، ومرشحتها هاريس، لم تراعيا المصالح الإسرائيلية طوال الأعوام الأربعة الماضية، ولا سيما بعد السابع من أكتوبر من العام الماضي. ولكن الائتلاف لا يزال يتأمّل في أن يسهم فوز ترامب في تهيئة الظروف والضغوط اللازمة، لإيجاد مخارج سياسية تكفل «الانتصار المطلق» لإسرائيل، وتعيد عجلة الاستيطان والسيطرة الكاملة على الأرض الفلسطينية، مع حشر الفلسطينيين أو طردهم إلى خارج فلسطين التاريخية.
ومن جهتهم، ينبه عدد من الخبراء والكتاب إلى أن الإفراط في التفاؤل، في حال وصل ترامب مجدداً إلى البيت الأبيض، يستبطن مبالغة من شأنها أن تؤدي إلى إحباط. ويرى هؤلاء، ومنهم مَن تُعدّ كتاباته وازنة ومعتدّاً بها، أن التصريحات التي ترد على لسان المرشح الجمهوري وعدد من أركان حملته الانتخابية، من الذين سيتولّون مناصب مهمّة وأساسية في إدارته، لا تعني شيئاً في قاموسه العملي، خاصة أن تعليقاته كانت في كثير من الأحيان متناقضة، و«هي جزء لا يتجزأ من حقيقة ترامب، إذ إن سياسته في ما يتعلّق بإسرائيل والفلسطينيين والحرب في غزة ولبنان، متقلّبة وغامضة تماماً».
وإذ يراهن نتنياهو على أن ينعكس فوز ترامب إيجاباً على تموضع إسرائيل في الإقليم، إبّان مدة ولايته الثانية والأخيرة، فإن من شأن ذلك أن يساعد أيضاً - وكما يأمل ائتلاف اليمين - في تحقيق التغيير في هوية إسرائيل نفسها، وما تسميه المعارضة «النزعة الاستبدادية والديكتاتورية» التي بدأت وتجمّدت في أعقاب الحرب، ونتيجتها. ويوفّر فوز الرئيس الأميركي السابق، وفقاً لعدد من الكتابات العبرية، «دفعة لجهود نتنياهو، والتي لم تتوقّف عمليّاً، لتعزيز الانقلاب القانوني، وضمّ الضفة الغربية، واحتلال طويل الأمد في غزة وربّما أيضاً في لبنان». ويتضح أيضاً أن مصلحة نتنياهو وائتلافه لا تقتصر على الحرب فحسب، بل تشمل تركيبة الحكم وبلورة القرارات وإبعاد الرقابة القانونية عن الحكام.
لكن هل تأتي النتيجة لتنسجم مع التوقعات والمراهنات؟ وهل تكون ولاية ترامب ملائمة أكثر لإسرائيل ومصالحها ومصالح حكامها الحاليين ونزعتهم الاحتلالية الإحلالية، أم سيكون «حساب الحقل مغايراً لحساب البيدر؟»، وهل تكون ولاية هاريس هي الأمثل، بالنظر إلى أن ما فعلته الإدارة التي تتولّى نيابة رئاستها، في الحرب، تسليحاً ودعماً ومساندةً ومشاركةً للكيان، لم تقم به أيّ إدارة أميركية سابقة، أم أن المرشحة الديموقراطية ستسلك مساراً مغايراً؟ كل الفرضيات ممكنة، ولا تفضيل في ما بينها، وإن كان ترامب وما زال، إلى أن تظهر النتائج، مفضلاً لدى غالبية الإسرائيليين، فيما تُعدّ هاريس، مصدر خشية، خاصة في حال لم تتّخذ مساراً يواكب شهوات إسرائيل ومطامعها، سواء في الحرب نفسها، أو ما يتعلّق بنتيجتها، أو في اليوم الذي يليها.
ورغم كل ما تقدّم، تنبغي الإشارة إلى أن تفضيل الإسرائيليين يتركّز على الاختيار بين الحسن والأحسن؛ إذ لم يصل إلى واشنطن أي رئيس أميركي، جمهوري أو ديموقراطي، لا يعمل ولا يسعى إلى إعلاء المصلحة الإسرائيلية، حتى وإن كانت، في أحيان كثيرة، لا تتوافق بالكلية مع المصالح الأميركية. وفي المحصلة: كيفما كانت نتيجة الانتخابات، فستكون في مصلحة إسرائيل.